محمود درويش.. الاسم وتوظيفاته

09 اغسطس 2014
الشاعر في مكتبه برام الله
+ الخط -

لم تتوقف تجربة محمود درويش الشعرية، في ذكرى رحيله السادسة التي تحل اليوم، عن مراكمة حضورها اليومي في حياة شعبه الفلسطيني. وفي حرب غزة التي لم يوار شهداؤها بعد، حضر شعره، لا سيما قصائده التي كتبها في بيروت، وتلك التي كتبها أثناء حصار رام الله عام 2000. حضور في اليوميات ومواقع التواصل الاجتماعي أثناء العدوان.

يرجع ذلك إلى الشخصية الشعرية التي تمتع بها محمود درويش (1941-2008)، وإلى قدرة قصيدته على مماهاة الشخصي بالعام، والتفصيلي بالكلي، إضافة إلى غنائيته الآسرة التي التي جعلته شاعر الزمن الفلسطيني على مدى أربعة عقود.

وبهذا المعنى، يمكن قراءة الاهتمام الشعبي والرسمي بمحمود درويش عبر تحولاته في رحلته التي واكبت تغيرات الخطاب الفلسطيني. ففي المستوى الشعبي كتب درويش التغريبة الفلسطينية بطموحها وانكساراتها. وعلى الجانب الآخر مثّل خطاب الراحل الشعري والمعرفي نقطة ارتكاز في صياغة خطابه الطوباوي الخائف من تداعيات الأزمة السياسية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو. ففي المحصلة بات محمود درويش، ومن حيث يُقصد أو لا يُقصد، رمزاً يُستدعى كلما اقتضت الحاجة، كما يصور ذلك عبّاد يحيى في بعض صفحات روايته "رام الله الشقراء".

وسط هذا الحضور الطاغي، بات لمحمود درويش بعد رحيله متحفاً ومؤسسة يحملان اسمه، كان من شأنهما أنهما زادا الجدل حوله، خصوصاً بعد افتتاح المتحف في الذكرى الرابعة لرحيل الشاعر.

يقول سامح خضر، مدير متحف محمود درويش في رام الله، لـ"العربي الجديد": "في هذا الصدد الكلام تردد تقريباً في حياة محمود درويش، وادعى بعضهم أنه يستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، وهو ما يقلّص فرص ظهورهم على الساحة الأدبية أو في المشهد الثقافي بشكل عام، ورغم أنه غادر عالمنا ما زالت الشكوى مستمرة من سطوته على المشهد".

ويضيف خضر إن هدف المتحف - وهو تابع لـ"مؤسسة محمود درويش" التي يرأسها ياسر عبد ربه - "هو العمل على حفظ الإرث المعرفي والشعري للراحل، بالإضافة إلى المساهمة في رفد المشهد الثقافي الفلسطيني بأنشطة وأمسيات وندوات، لكتاب عرب وفلسطينيين، إضافة إلى اهتمام خاص بالإنتاج الشبابي".

لكن ذلك الاهتمام بإرث الراحل لم يُزل مخاوف البعض في أن تصبح تجربة الشاعر جزءاً من فلكلور فلسطيني بات معروفاً في استدعائه لدرويش بمناسبة ويدون مناسبة. وعن هذا يقول الناقد عادل الأسطة لـ "العربي الجديد": "هذا رأي، ولكن هناك آراء أخرى، وما من شك في أن أشعار درويش وجدت صدى كبيراً. أما استغلال الآخرين لاسمه فهو لا يخص الشاعر وشعره إنما ستجد دائماً من يحاول استغلال أي رمز، وكان أبو عمار واحداً من هؤلاء، بمعنى أن استغلال اسم الشاعر، بل والشاعر نفسه، ليس بالأمر الجديد. ما علينا هو أن نفرز".

الآراء الأخرى التي تحدث عنها الأسطة، وإن كانت ترى في متحف محمود درويش جانباً حضارياً يعكس صورة فلسطين الثقافية، ترى أيضاً أن تشوش الرؤية الوطنية في العمل الثقافي، مفهوماً ووظيفة، في مقارعة الاحتلال، غالباً ما تؤدي إلى أخطاء يصبح فيها الكاتب ومواقفه ضحيتها الأولى، ولعل هذا ما حدث مع محمود درويش، ويحدث أيضاً مع المؤسسات التي تحمل اسمه، فاختفاء مفردات مواجهة الاحتلال من خطابها والمبالغة في إحلال مفردات الحياة العادية والطبيعية جعلت من طبيعته التعبيرية عرضة للشك.

ناهيك عن وجود مؤسسة أخرى تحت اسم محمود درويش في قرية كفر ياسيف في الأرض المحتلة عام 1948، تتضارب في عملها - وإن كان متواضعاً للغاية - مع عمل مؤسسة محمود درويش في رام الله. وطبعاً لن نتحدث عن عشرات الفعاليات من مراكز وجوائز ومشاريع فنية تتسلّق على ذكرى الشاعر أو تنشغل بعضها بتحويله إلى ذكرى قابلة لشيء من الاستثمار.

المساهمون