حسين سمارة... صيّاد غزّة الصغير يتحوّل رجل عائلته

01 ابريل 2017
أنهى مهمّته لليوم... (محمد الحجار)
+ الخط -

صغار غزّة يكبرون سريعاً. واقع كثيراً ما يُلاحَظ هنا. حسين سمارة واحد من هؤلاء الذين تركوا طفولتهم وراءهم ومضوا قدماً في حياة الكبار.

أن ترى أطفالاً يساعدون آباءهم الصيّادين في ميناء غزّة وبحرها، ليس بأمر غريب. سمارة، كما يطلق عليه الصيّادون الآخرون، من هؤلاء الصغار، غير أنّه احترف مهنة والده ليصبح بدوره صيّاد سمك قادراً على الاعتماد على نفسه في رحلات الصيد، على الرغم من أنّه ما زال في الثانية عشرة من عمره. والصغير المعروف بسمارة، لقّب بذلك بسبب تغيّر لون بشرته إلى برونزيّ داكن، نتيجة عمله تحت أشعّة الشمس.

حسين محسن أبو ريالة، من أصغر صيّادي قطاع غزّة، إن لم يكن أصغرهم. وُلد في أسرة جميع أفرادها من الصيّادين، وبدأ بتعلّم مهنتهم مذ كان في السادسة من عمره. اليوم، هو معيل أسرته المؤلّفة من عشرة أفراد، بعدما منع المرض والده من ممارسة مهنته. لكنّ الأخير لم يتخلّ عن ابنه الذي حلّ محلّه، بل هو يسانده اليوم من خلال حَبك شباك الصيد، بالإضافة إلى المساندة المعنوية التي يقدّمها له إلى جانب زملائه الصيادين الذين يكبرونه سناً.

في منزل العائلة، يعيش حسين مع إخوته الخمسة وأخته الوحيدة ووالدَيه وزوجة أخيه الأكبر. هو بالنسبة إليهم المعيل الأساسي. في بعض الأيام، ينزل إلى البحر عند الساعة العاشرة مساءً ويبقى حتى الرابعة فجراً. وعند عودته إلى الشاطئ، يعرِض الأسماك التي اصطادها على التجّار. في مرّات أخرى، ينزل إلى البحر عند الساعة السابعة صباحاً ويبقى حتى الواحدة من بعد الظهر، وذلك يرتبط بتغيّر الأحوال الجوية وبخروج أنواع مختلفة من الأسماك في ساعات محدّدة.



وكان حسين قد ترك المدرسة وهو في الصف الرابع أساسي، "لأنّ والدي وقتها لازم المنزل وأخبرنا بأنّه لن يعود إلى العمل. هكذا، رحت أعمل بدلاً منه على الحسكة التي تملكها العائلة وكذلك على اللانش. فأنا أحبّ حياة البحر، لكنّني لا أحبّ الاحتلال الذي أشاهده فيها".

وحسين كثيراً ما يرافق صيّادين آخرين في مراكبهم الكبيرة، وقد اكتسب ثقة كثيرين منهم، نظراً إلى قدراته ومعرفته بأساليب الصيد. فهو يصطاد أنواعاً مختلفة من الأسماك، من قبيل السردين والغزلان والمليط واللوكس، وهي أنواع تحتاج إلى خبرة صيّاد محترف، إذ تتجمّع في قاع بحر غزة وهي مساحة ضيّقة. ويعيد حسين أسباب تمكّنه من المهنة إلى أنّه اعتاد أجواء الصيد مذ كان في السادسة من عمره. "كنت أقضي الإجازة الصيفية، بعد انتهاء العام الدراسي، إلى جانب والدي وأعمامي. كنت أراقبهم وهم يعملون، وأتعرّف على أبرز أنواع الأسماك وطبيعة أماكن تجمّعها ومواعيد نموّها وهجرتها".

على الرغم من سنّه الصغيرة، إلا أنّه كغيره من الصيّادين تعرّض للاعتقال في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2016) مع أعمامه، "عندما كنت أرافقهم في رحلة صيد على مركب لانش العائلة، صادرت قوات الاحتلال المركب، في حين تعرّض أعمامي وأبناؤهم الكبار إلى إصابات". وقد أطلق سراحهم في مساء اليوم نفسه، عبر معبر بيت حانون (إيرز). ويؤكّد حسين أنّ "اللانش الذي صادره الاحتلال، كانت تعتمد عليه 20 أسرة من أقاربي. وذكرياتي فيه كثيرة، خصوصاً في أشهر الربيع عندما يكون الصيد وفيراً. أتمنّى أن يُعاد اللانش".



محسن أبو ريالة هو والد حسين، يبلغ من العمر 43 عاماً، وهو في مهنة الصيد مذ كان في العاشرة من عمره. والده وجدّه كانا يعملان في الصيد، وإخوته جميعاً صيادون. يخبر أنّه "قبل عام 2003، كان الصيد في بحر غزة جيّداً ويعود بدخل كافٍ للأسرة. لكنّ المعاناة بدأت عندما أصبحت قوات الاحتلال تفرض علينا، في كثير من الأحيان، مساحة ضيّقة للصيد، كانت تتراوح حينها ما بين ميلين وثلاثة أميال".

ويشير والد حسين إلى أنّ خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، قيّد المساحة بطريقة أكثر صرامة. في العام نفسه، تعرّض إلى إصابة أضعفت قدراته في الصيد. "كنت مسرعاً لإسعاف أخي الذي أغمي عليه، فأصبت في رأسي نتيجة اصطدامي بعربة. نتج عن ذلك كسر في الجمجمة. بالتالي، صرت أكتفي بمساعدة إخوتي الصيادين".

في عام 2013 توقف الوالد كلياً عن العمل، نتيجة مرض البروستات إلى جانب إصابته السابقة. في ذلك الحين، كان حسين في الثامنة من عمره، فراح يرافق أعمامه ويعاونهم في صيدهم ويحصل على مقابل ماديّ يسدّ به حاجة مالية ولو بسيطة لأسرته. وبعد عامين، في العاشرة من عمره، انطلق حسين ليكون أصغر صيّاد في بحر غزّة ينطلق على حسكة صغيرة وحده ويتمكّن من الصيد. "حسين بالنسبة إلينا، أصبح رجل العائلة. نحن نعتمد عليه في سدّ مكاني في البيت. وهو يرافق أعمامه في مرّات كثيرة خلال أيام الصيد الوفير. وفي الأيام الأخرى، يخرج وحده للصيد عندما يكون البحر هادئاً".