فقراء تونس الطبقة الوسطى مهددة بالتلاشي

17 فبراير 2015
نسبة الفقر ازدادت بنحو 30 % (Getty)
+ الخط -
خلالَ السنوات الأربع الأخيرة، انشغل المتخصصون بدراسة تدهور القدرة الشرائية لدى التونسيين، واتساع رقعة الفقر وخصوصاً في المناطق الداخلية والأرياف، بسبب ارتفاع نسبة البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

يشير "مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية" في تونس، في أحدث دراسة له، إلى أن نسبة الفقر ازدادت خلال السنوات الأربع الماضية بنحو 30 في المئة، بعدما اختفت بعض شرائح الطبقة الوسطى، بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد وارتفاع الأسعار.

شملت الدراسة 5300 عينة، وبيّنت أن الفقراء الجدد يمثلون نحو 30 في المئة من إجمالي عدد الفقراء في البلاد، الذين يقدّرون بنحو مليونين من أصل عشرة ملايين (مجمل عدد سكان البلاد). وتعرّف الدراسة الفقراء الجدد بـ"صغار الموظفين في الإدارات الرسمية والأساتذة في المدارس الابتدائية، والعمال والأجراء الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري 700 دينار في الشهر (نحو 450 دولاراً).

بحسب الدراسة، يتركز الفقر في ولايات الوسط الغربي، حيث يعيش 29.4 في المئة من السكان تحت خط الفقر، تليها ولايات الجنوب الغربي بنسبة 14.7 في المئة، ثم مناطق الجنوب الشرقي بنسبة 11.4 في المئة، ومناطق الشمال الغربي بنسبة 11.1 في المئة، في حين تبلغ نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى في ولايات الشمال الشرقي 9.6 في المئة.

تشير الدراسة أيضاً إلى أن بعض المناطق النائية ما زالت تعاني من إهمال حكومي، ما يدفع سكانها إلى الانتقال إلى العاصمة أو المدن الكبرى للبحث عن مورد رزق. أما بعض العائلات التي آثرت البقاء، فتعتمد على مساعدات الجمعيات والمنظمات الخيرية.

تجدر الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى في تونس تشمل الموظّفين في الوزارات والإدارات العامة والمصارف، بالإضافة إلى بعض أصحاب المهن الحرّة في قطاع الخدمات والتجارة أو قطاع الصناعة، بحسب الخبير الاقتصادي معز الجودي.

يقول الجودي، لـ"العربي الجديد"، إن "الطبقة الوسطى تعد العمود الفقري في بناء المجتمعات بسبب دورها الاقتصادي. فهي التي تستهلك وتدّخر وتشتري وتبيع، إلخ". لكنه يشير إلى أن "الطبقة الوسطى في تونس باتت مهددة اليوم، بسبب ارتفاع نسبة التضخّم، وزيادة عجز الميزانيّة بنحو 8 في المئة".

يتطرق الجودي إلى مسألة خطيرة. يوضح أن القدرة الشرائيّة لدى الطبقة الوسطى (القادرة على دفع الدورة الاقتصادية إلى الأمام)، تلاشت بسبب ارتفاع الأسعار، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر، وتغيّر تركيبة المجتمع التونسي ليصبح مؤلفاً من طبقتين فقط، طبقة غنيّة وعددها محدود، وطبقة فقيرة أو قريبة من خط الفقر".

في المقابل، بيّنت دراسة أعدها "مركز الدراسات الاستراتيجية والاجتماعية"، أن 87 بالمئة من الفقراء الجدد اضطروا إلى العمل في أكثر من مهنة، على غرار بيع سلع مهرّبة أو الخضار أو الغذاء أو الملابس أو الحرف لمواجهة غلاء المعيشة.

تضارب
من جهتها، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أن نسبة الفقر في البلاد تقدّر بنحو 24.7 في المئة. لكن بيانات "المعهد الوطني للإحصاء"، التي صدرت عام 2012، بيّنت أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى هي 3.08 في المئة، أي نحو 400 ألف تونسي. فيما بلغت نسبة التونسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى 11.4 في المئة (نحو مليون و200 ألف شخص). تجدر الإشارة إلى أنه بعد الثورة، أدى الكشف عن نسب الفقر في البلاد إلى خلق جدال واسع، وخصوصاً أنها تتناقض مع ما كان يروج له النظام السابق.

في السياق، يوضح مدير مركز الإحصاءات الديمغرافية والاجتماعية في "المعهد الوطني للإحصاء"، الحبيب الفراتي، أن "نسبة الفقر، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، غير صحيحة"، لافتاً إلى أن إحصائيات المعهد أكثر دقة ومواءمة للشروط العالمية.

من جهته، يؤكّد مدير المسوحات الاجتماعية في "المعهد الوطني للإحصاء" ياسين جمل كاهية، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك انفلاتاً وتضارباً في الأرقام في الوقت الحالي في مجالات عدة".
ويوضح أن نسبة الفقر هي 11.5 في المئة، مشيراً إلى أن "المعهد يعتمد منذ عام 2005 المنهجية نفسها المعتمدة من قبل البنك الدولي"، لافتاً إلى أن هذه المنهجية تؤدي للتوصل إلى مؤشرين: الأول يخص خط الفقر الأدنى ويبلغ في تونس 3.4 في المئة، والثاني هو خط الفقر الأعلى الذي يبلغ 11.5 في المئة".