70 % من المدن الجزائرية تعيش ضغطاً بسبب "النزوح"

19 سبتمبر 2017
غياب الأمن دفع بالعشرات إلى الهوامش (العربي الجديد)
+ الخط -
تعيش العديد من المدن الجزائرية ضغطاً كبيراً، جرّاء النزوح الكبير من الأرياف نحو المدن الداخلية في بداية تسعينيات القرن الماضي، خصوصاً في العشرية الأخيرة، وفي العاصمة تحوّلت مساكن إلى "أقفاص" مسيّجة بقضبان حديدية، في مشهد اندثرت معه كل الحقوق في سكن يضمن الأمان والاستقرار.

وتقول الأستاذة في جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار في العاصمة الجزائرية، نورية بن براهم لـ"العربي الجديد"، إنّ "ترييف المدن له علاقة وطيدة بانعدام الإمكانات المعيشية وسبل العيش الجيد في المناطق الداخلية، وأبسطها الظروف الصحية".


وذكّرت المتحدثة بالواقع المؤلم الذي عاشته العشرات من الأسر الجزائرية، ما فرض عليها البحث عن حياة أكثر أمان واستقراراً، إذ ترك كثيرون بيوتهم وأملاكهم ودخلوا المدن للبحث عن حياة أفضل. 

واستدلّت على ذلك بأبسط الشروط في المجال الصحي التي يفتقدها المواطن الجزائري في البوادي ويضطر إلى الانتقال للمدينة بحثاً عن العلاج، فما بالك بالشروط الأخرى، في مناطق ما زالت طُرقها مهترئة وخدماتها صحية منعدمة وثمة شكاوى من انعدام توفر الماء لصالح للشرب.

ويعتقد أغلب "النازحين" أن حياة المدينة هي الأفضل، لتوفر ظروف المعيشة، والتي تكاد "تنعدم في الأرياف والقرى"، بحسب تصريح الطبيب المعالج في قسم الكلى بمستشفى مصطفى باشا الجامعي نور الدين بوكردوس، القادم من مدينة تاكسنة من ولاية جيجل شرق الجزائر.

ويعتبر الطبيب وجوده في العاصمة الجزائرية قراراً لا رجعة فيه، بالنظر إلى الظروف التي عاشها قبل أكثر من عشرين سنة في مدينته، عندما كان يتنقل بين قريته الجبلية ومدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري لدراسة الطب؛ لقد كان مشواره صعباً جدّاً، مع الظروف الأمنية التي عرفتها الجزائر.

يقول لـ"العربي الجديد": "قررت خلال أيام الدراسة البقاء في مستشفيات مدينة قسنطينة، هرباً من أي مشكلة تصادف طالباً جامعياً. الجماعات المسلّحة كانت تقتل فقط ولا يهمها من أنا ومن أكون، خصوصاً أنني كنت طالب طب مقيماً، أي أمارس القليل من التطبيب، وما كان يخيفني كثيراً هو أن أختطف مثل عدد من المختصين الذين زجّ بهم في المجموعات الإرهابية لممارسة مهنتهم وإسعاف العناصر الإرهابية".

"صراحة، تلك الفترة كانت قاسية جداً على كل الجزائريين"، يقول الباحث في علم الاجتماع بجامعة البليدة الهادي مجاهر لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن الآلاف هاجروا من القرى والجبال من مسقط رأسه "عين الدفلى" التي كانت تسمّى في الفترة العصيبة بأحد أضلع مثلث الموت (المدية وعين الدفلى والشلف)، وغيرها من الولايات التي تحصّنت في جبالها الوعرة الجماعات المسلحة وبسطت فيها نفوذها وشيّدت مراكز عملياتها.

النزوح في الجزائر كان بحثاً عن الأمن والاستقرار (العربي الجديد)



ويتابع "الخوف والتوجس وغياب الأمن دفع بالعشرات للجوء إلى هوامش المدن وبناء مساكن هشة بالطوب والخشب على ضفاف الأنهار والوديان، وكذلك على حواشي السكك الحديدية أيضاً، وحجز مصانع مغلقة ومستودعات قديمة منذ الاستعمار الفرنسي لتصبح مأوى للمواطنين القادمين من الأرياف".

وقبل 30 سنة، كانت المدن الجزائرية تعيش على وقع مشاريع إعادة تهيئة، فكل الساسة من وزراء ومسؤولين في الدوائر التابعة للمدن، خاصة في الشمال الجزائري، نفذوا مخططات لتحسين المدن وتأهيلها، خصوصاً القديمة منها التي ورثت البناء من الاستعمار الفرنسي، بينما سقطت كل مخططات الحكومة في الماء في الفترة ما بين (1990 – 2010)، بحسب تصريحات العديد من المسؤولين في تلك الفترة، بسبب "بعبع الإرهاب" وآثاره التي ما زالت حتى اليوم، إذ عاشت الجزائر فترة أمنية صعبة، التفتت فيها السلطة السياسية والعسكرية إلى مكافحة الإرهاب، وهو ما جرف معه كثيراً من الأزمات الأخرى أهمها النزوح الكثيف من الأرياف نحو المدن بحثاً عن الأمن والاستقرار وما تلاها من أزمات أخرى، أهمها "مدن بلا عمران" بحسب المهندس المعماري السعيد بلعيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أن كل المدن الجزائرية تحتاج إلى إعادة هيكلة في ما يتعلق بالأحياء السكنية الجديدة التي "نمت كالفطريات لتلبية مطالب السكن". 

وعلى الرغم من المشاريع التنموية التي تُشرف عليها السلطات المحلية في مختلف المدن والقرى، إلا أن الحكومة تعترف بالقصور الكبير في العديد من المناطق الداخلية، إذ كشف رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى مؤخراً أن المدن الكبرى مكتظّة بالسكان، موضحاً أن الكثافة السكانية تشغل ما يعادل 70 في المائة منها، داعياً إلى تشجيع السكن في المناطق الداخلية والأرياف والقرى، وتقديم مساعدات مادية للاستثمار في هذه المناطق وبناء المساكن والمستشفيات والمدارس حتى يضمن استقرار السكان فيها ويتم فك الضغط وحصار المدن.