رموز تاريخية في حراك الجزائر

25 نوفمبر 2019
إصلاحيون وثوار ومفكرون يعودون إلى الشارع (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ مسيرات 22 فبراير/ شباط الماضي، ظلّ الجزائريون متمسكين في مسيرات الحراك الشعبي بصور وأسماء ومقولات رمزية لعدد من الشخصيات التاريخية ذات الماضي الثوري، أو الإصلاحي الحافل والمشرّف، إذ برزت تلك الشخصيات من شهداء ثورة التحرير أو المفكرين خلال التظاهرات، سواء من خلال الهتافات والشعارات أو الصور واللافتات.

من حي بلكور العتيق في قلب العاصمة الجزائرية، خرج عشرات من المحتجين مشياً نحو ساحة أودان، في الجمعة الـ40 الأخيرة، إذ ردد المتظاهرون هتافات رافضة لبقاء منظومة الحكم القديمة، وللانتخابات المنظمة في إطارها. من بين الهتافات: "نحن أبناء بلوزداد، السياسة للجميع لكن لا نباع في المزاد". ويتردد في هذا الشعار اسم الشهيد محمد بلوزداد الذي سمّي الحي العتيق بلكور، باسمه. ويعبّر المشاركون في تظاهرات الحراك عن فخرهم بشهيد الثورة الذي التصق باسم حيّهم، بحسب الناشط محمد بودراع. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "مرجعية الشباب اليوم هي ثورة التحرير، وهم يدركون حجم الكلفة الباهظة التي دفعها الشهداء إبان ثورة التحرير الوطنية في الخمسينيات وبداية الستينيات، والشباب الذين يرفعون صور واسم محمد بلوزداد يريدون أن يقولوا لأولئك الشهداء جميعاً: نحن خلفاؤكم اليوم، وسنحمي الأمانة".



لا يمرّ أسبوع على الحراك الشعبي في الجزائر، الذي دخل شهره التاسع، إلاّ ويعمد شباب الحراك إلى تطوير الهتافات واستدعاء اسم قائد ثوري أو رمز إصلاحي ومعرفي وثقافي يحتذي به الجزائريون في مطالبهم وبطرق سلمية. ليس بعيداً عن حي بلكور الشعبي، مرّت حشود الشباب والكهول والنساء والأطفال مشياً، نحو شارع الشهيدة حسيبة بن بوعلي، مرددين شعارات مختلفة أهمها: "نحن أولاد عميروش للوراء ما نرجعوش" وعميروش آيت حمودة هو أحد أبرز شهداء ثورة التحرير، وقد كان أحد القادة فيها، ورفعت صورته خلال مسيرات الجمعة في مختلف الشوارع، عبر شباب يعرفون عن الشهيد عميروش أنّه قائد محبّ لوطنه ولحريته، بحسب ما يقول وليد تليلاني لـ"العربي الجديد". يتابع: "ليتنا نكون مثل عميروش الذي لم يكن خلال ثورة التحرير يعرف معنى الرجوع إلى الوراء، وكلّ همّه انتصار الجزائر والقضية الوطنية وتحقيق الاستقلال".




خلال تظاهرات الجمعة الـ40 من الحراك الشعبي، برزت لافتة مرسومة رفعها الشباب، تحمل ملامح الشهيدة حسيبة بن بوعلي، التي لها رمزية تاريخية كبرى، وتمثل إحدى المناضلات الجزائريات الأوليات ممن رافقن المناضلة جميلة بوحيرد، وقادت رفقة المناضلين في معركة الجزائر العاصمة ضد الاستعمار، ثورة التحرير، قبل أن تستشهد بعد تفجير منزل كانت تختبئ فيه مع مناضلين آخرين من رموز المقاومة الجزائرية في فترة الاستعمار الفرنسي. وتعتبر السيدة نورية حمداش التي كانت تشارك في التظاهرة، في حديثها إلى "العربي الجديد"، أنّ "حسيبة رمز لكلّ النساء الجزائريات. نحن نصنع ثورتنا أيضاً بعدما قدموا هم ما عليهم وأكثر. وما يسعدني ويجعلني أفتخر أنّ هذا الجيل الشاب متمسك بثورة التحرير ورموزها، وهو ما يغذي وطنيته ويمنع أيّ استغلال خارجي له".



ليست صور شهداء ومناضلي ثورة التحرير وحدها التي تُرفع خلال تظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر، بل هناك أسماء وصور أخرى تُرفع باستمرار، وتمثل مرجعية رمزية للجزائريين، إذ احتلت صورة المفكر الجزائري مالك بن نبي حيزاً كبيراً، فهو أحد رواد النهضة الفكرية في العالم الإسلامي الذي يفتخر به الشباب. كذلك، رُفعت صور رائد النهضة الإصلاحية عبد الحميد بن باديس. يعتبر الطالب في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الجزائر، رمزي بورنان، أنّ "رفع صورة المفكر مالك بن نبي تحمل عدة دلالات، خصوصاً أنّنا نملك خزاناً من المفكرين والقادة والشخصيات التي يمكنها أن ترفع من وعي الجزائريين". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "التاريخ وحده من سينصف هؤلاء، خصوصاً أنّنا نعيش مرحلة حساسة ومفصلية في تاريخنا، نروم من خلالها التغيير، ورفع مستوى العيش في بلد الحريات والديمقراطية".




حالة من الوعي لدى المتظاهرين في الجزائر عززها تنوع الشعارات المرفوعة. وبينما تتباين المطالب وتختلف الهتافات كلّما طال عمر الأزمة السياسية في البلاد، فالجزائريون اتفقوا جميعاً على تكريم رموز إصلاحية، وشهداء ثورة التحرير مهما مرّ من عقود عليها. هؤلاء يريدون من السلطات أن تستمع إلى مطالبهم السلمية قبيل الانتخابات المقررة في نهاية العام.