إعدامات مصر... كابوس لا ينتهي

15 يناير 2018
لحظة صدور حكم سابق بالإعدام بالقاهرة (عمرو صلاح الدين/الأناضول)
+ الخط -
المحاكم المصرية تُصدر أحكاماً مطلقة بالإعدام من دون محاكمة عادلة ونزيهة للمتّهمين في القضايا، بسبب انتمائهم السياسي. هذا ما تلفت إليه "هيومن رايتس مونيتور"، موضحة أنّ تلك الأحكام بمعظمها ليس لها أيّ سند قانوني في صدورها

بعد تزايد تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، خلال الآونة الأخيرة، بطريقة غير مسبوقة، بالمقارنة مع كلّ الحكومات السابقة، باتت المخاوف من اتساع دائرة الإعدامات تسيطر على أسر وأصدقاء المدانين على ذمة قضايا، لا سيّما تلك التي تندرج تحت طائلة "الإرهاب".

ولعلّ التخوّف اليوم يتعلق بالقضية رقم 16850 لسنة 2014 مركز المنصورة، المعروفة إعلامياً بقضية "قتل الحارس"، والتي صدر حكم فيها بالإعدام في حقّ عشرة شبّان بعد رفض النقض المقدّم منهم. فدائرة الإرهاب في محكمة جنايات المنصورة كانت قد قضت، في يوليو/تموز الماضي، بإحالة أوراق تسعة متّهمين من عناصر جماعة الإخوان المسلمين إلى مفتي الجمهورية لأخذ الرأي الشرعي في إعدامهم، في حين حكمت على 13 آخرين بالسجن المؤبد وعلى متّهم واحد بالسجن 10 سنوات. وقد أسندت إليهم النيابة جرائم انضمامهم إلى جماعة تأسست على خلاف القانون، وحيازتهم أسلحة وذخائر، وقتلهم الرقيب عبد الله المتولي، وتشكيلهم خلية إرهابية استهدفت السلطات القضائية وأفراد الشرطة.

تعود القضية إلى يوم 28 فبراير/شباط من عام 2014، حين لقي أمين الشرطة عبد الله المتولي، الذي كان مكلفاً بتأمين منزل المستشار حسين قنديل، وهو رئيس نادي قضاة المنصورة وعضو اليمين في محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، مصرعه على يد شخصَين يستقلان دراجة نارية في منطقة سندوب، عقب إطلاق أعيرة نارية عليه.

وفي آخر رسالة بعث بها ستّة من المحكوم عليهم بالإعدام في القضية، كتبوا "ما قتلناش حد واستحالة نعمل كده.. إحنا شوفنا أسود أيام حياتنا". أضاف هؤلاء أنّ "العساكر والضباط قلعونا كل هدومنا، وفِضلو يكهربونا في كل مكان حتى في عوراتنا.. وفضلنا متغميين ثلاثة أيام ومتكلبشين خلفي، وحتى لما بنحتاج الحمام بندخل في الوضع ده.. كان لازم نقول اللي همّا عايزينه يا إمّا كنا هنموت.. أو كنا هنتمنى الموت زي ما كنا بنتمناه كل يوم". وتابعوا "كل الكلام اللي قلناه كان مكتوب على ورق متعلق على خشب قدامنا، وكان لازم نقوله وإلا يرجعونا تاني ويبدأوا معانا تاني من الأول".



إلى ذلك، صدر آخر حكم بالإعدام في مصر، مطلع شهر يناير/كانون الثاني الجاري، من قبل محكمة عسكرية في حقّ 15 شخصاً في القضية رقم 411 جنايات كلي الإسماعيلية لسنة 2013، المعروفة إعلامياً بقضية "خلية رصد الضباط"، ليرتفع عدد الأشخاص المدنيين الذين نُفّذت بحقهم أحكام بالإعدام صادرة عن القضاء العسكري منذ عام 2013 وحتى اليوم، وهو الأمر الذي يُعَدّ بمثابة أكبر عدد من الإعدامات تنفّذه حكومة في تاريخها.

في السياق، جرى، في مايو/أيار من عام 2015، تنفيذ حكم الإعدام في حقّ ستّة متهمين في القضية رقم 43 لسنة 2014 جنايات عسكرية شمال القاهرة، المعروفة إعلامياً بقضية "خلية عرب شركس". وكانت انتهاكات عدّة قد شابتها، سواء على مستوى الضبط والتحقيق أو على مستوى تجاهل النيابة والمحكمة العسكرية بلاغات الاختفاء القسري والتعذيب التي تقدّم بها المتّهمون وذووهم.

وتتوالى أحكام الإعدام الصادرة عن القضاء العسكري في قضايا عدّة، مثل القضية رقم 22 لسنة 2015 جنايات عسكرية طنطا، المعروفة إعلامياً بقضية "استاد كفر الشيخ"، والقضية رقم 174/2015 جنايات عسكرية غرب، المعروفة إعلامياً بقضية "العمليات النوعية"، والقضية رقم 264/2015، المعروفة إعلامياً بقضية "اقتحام مركز شرطة طامية"، وغيرها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، حُكم على 34 شخصاً، على أقل تقدير، بالإعدام شنقاً بشكل نهائي في ثماني قضايا (سبع قضايا أمام القضاء المدني وقضية واحدة أمام القضاء العسكري) بتهمٍ معظمها تتعلّق بقضايا ذات طابع سياسي وقضايا إرهاب.

وفي تقرير تحت عنوان "القضاء المصري لا يعرف غير أحكام الإعدام" صادر في عام 2017، أفادت منظمة "هيومان رايتس مونيتور" بأنّه "صدر في نحو 20 قضية إحالة لمفتي الجمهورية تمهيداً للإعدام، حيث وصلت أوراق 1450 شخصاً للمفتي، ثبت منها نحو 520 حكماً، وثمانية أحكام منها نافذة بشكل نهائي بعد تصديق الحكومة المصرية عليها، بالإضافة إلى تنفيذ الحكم بالإعدام شنقاً بحق مواطن واحد، في مارس/آذار الماضي، بينما ينتظر ستّة نفس المصير بعد تصديق رئيس الجمهورية الحالي على إعدامهم".

وفي يونيو/حزيران من عام 2017، طالبت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، وزير الدفاع المصري، بصفته من يعتمد قرارات أحكام الإعدام من المحاكم العسكرية، بإلغاء أحكام الإعدام، والطلب من النيابة العسكرية إسقاط الدعاوى، أو "في حال وجود أدلة ضد الرجال أو المتهمين الآخرين، على المدعي العام المصري توجيه التهم إليهم في محكمة عادية".

وكان الرئيس المصري المؤقت السابق، عدلي منصور، قد أدخل في عام 2014 تعديلاً على قانون القضاء العسكري، سمح بنقض أحكام القضاء العسكري لمرّة واحدة، وألا يقضى بالإعدام إلا بإجماع الآراء.

كذلك أدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعديلاً على قانون القضاء العسكري، سمح له بالنظر في القضايا التي يتورّط فيها مدنيون بالاعتداء على المنشآت الحيوية والعامة والتخريب، بالإضافة إلى الاعتداءات على أفراد وممتلكات الشرطة والجيش.