يتدخل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في تفاصيل الحياة اليومية للعراقيين الواقعين تحت سيطرته في الموصل. ومن ذلك تحريم تداول وبيع الأغاني والتسجيلات الموسيقية وأقراص الأفلام العربية والأجنبية.
أمام هذا الوضع، يلجأ أصحاب متاجر التسجيلات والأفلام إلى استبدال الأغاني والأفلام بأناشيد دينية وتلاوات قرآنية ومحاضرات دينية وخطب جمعة، أو عمليات عسكرية مصورة من تنفيذ داعش، أو عمليات قتل رهائن وأسرى لدى التنظيم. فيما انتزعت صور الفنانين والفنانات عن جدران تلك المحال الداخلية والخارجية، ووضعت مكانها صور أخرى لقيادات بارزة في التنظيم. كما تحوّل اسم متجر "كلمة ونغم" إلى "عشاق الشهادة". وبدّل مالك المتجر نفسه من موضته، من الجينز وقصة الشعر الحديثة إلى الجلباب القصير واللحية الطويلة. وتبدلت تحيته إلى "السلام عليكم".
يقول صاحب المتجر، الذي يفضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، بشيء من الحسرة وعدم الرضا: "ماذا أفعل؟ اقتحموا مكتبي وأحرقوا كل شيء، من الأشرطة الحديثة إلى أغاني عبد الحليم وأم كلثوم. سجنت 3 أيام بتهمة نشر الفسوق في بلاد المسلمين.. واليوم لا يمكن لي الرحيل من المدينة، ولا أملك مالاً، ولا أعرف غير هذه المهنة منذ صغري. لذا قررت أن أتماشى مع الوضع.. والأمر لله".
ويتابع: "البيع رائج والرزق وفير، أبيع ما يريدون إلى حين عودة الأمور إلى طبيعتها". ويشير بيده ويقول: "في هذا الدرج أسفل المكتب ما زالت لديّ بعض الصور الكبيرة لإليسا وهيفاء وهبي لم يرها عناصر التنظيم، ولن أمزقها فلعلّ الحال يتغيّر، فننزل مرة أخرى صورة الشيخ أبو سياف ونضع هيفاء محلها". يضحك الأربعيني ويضيف: "من يأخذ أمي أناديه عمّي.. وإلا سنموت من الجوع".
من جهته، يقول "ع. ل"، وهو صاحب متجر تسجيلات في الأنبار التي يسيطر داعش على معظمها: "التنظيم أصدر تعليمات بمنع وتحريم تداول وبيع التسجيلات الغنائية والأفلام. وبذلك كانت متاجرنا مهددة بالإقفال، خصوصاً بعد إتلافنا ما لدينا من تسجيلات غنائية وأشرطة أفلام. لكننا اضطررنا لاستبدالها بالأناشيد الدينية أو الخطب والمحاضرات والأفلام الحربية التي ينتجها التنظيم عن عملياته العسكرية في مختلف المناطق في العراق وسورية".
ويتابع: "التنظيم يوزع علينا إنتاجاته لبيعها وتداولها. كما يوجه تعليماته لنا بتداول تسجيلات القرآن الكريم والخطب والمحاضرات الدينية لعدد من رجال الدين المعتقلين في بعض الدول العربية، كالسعودية والأردن، وخصوصاً من يحثون على الجهاد".
في المقابل، يرى خبراء أنَّ تنظيم داعش يعتمد على آلة إعلامية ضخمة شكّل لها مجموعة كبيرة من الخبراء في مجال الإعلام وتقنيات الصوت وبرامج التصوير المتطورة. ويظهر ذلك في إصداراته المتتالية.
ويقول الباحث في الإعلام الحربي، عبد الناصر الفضلي، لـ"العربي الجديد"، إنَّ التنظيم "لديه متخصصون محترفون جداً في الإنتاج والتصوير وتقنيات الصوت والتصوير والإخراج الحديثة. وشاهدنا العديد من الإصدارات للمعارك التي خاضها تُظهر حرفية تصوير وإخراج عالية جداً، وتقنيات حديثة تثير الدهشة". ويضيف: "التنظيم يفكر بحنكة. وحتى يتمكن من منع تداول كافة أنواع التسجيلات الغنائية والأفلام العربية والأجنبية التي حرّم بيعها وتداولها نهائياً بالقوة، عليه أن يجد بدائل. لذلك نجد إصداراته تحمل كلّ هذا الكمّ الكبير من التقنية والحرفية وتعمّد إثارة حماس المشاهد. كما يدفع بإصداراته إلى متاجر التسجيلات لتداولها وبيعها بدلاً من الأغاني والأفلام. وذلك بالإضافة إلى افتتاحه نقاطاً إعلامية مجانية في الشوارع يتجمع حولها الناس لمشاهدة إصداراته حول المعارك أو العمليات الانتحارية التي ينفذها".
بدوره، يقول المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد الستار الكيلاني، إنّ داعش "يحاول أن يخلق بدائل للمواطنين في الأراضي التي يسيطر عليها. فنراه قد شكّل آلة إعلامية محترفة لإنتاج التسجيلات الصوتية، كالأناشيد الدينية والحربية الجهادية والإصدارات المرئية لنشر فكره، وذلك بالترافق مع منع الخطب والمحاضرات الدينية لمعارضيه. فلا يسمح إلاّ بالخطب الجهادية أو التي تتناسب في مضمونها مع توجهاته الفكرية".
اقرأ أيضاً: داعش يجند أطفال المدارس في الموصل