فشل كلويّ.. تلوّث مصر يفتك بالشعب

25 ابريل 2016
50% من الشعب المصري يشرب مياهاً ملوّثة (فرانس برس)
+ الخط -

تحتل مصر المرتبة الأولى بين الدول العربية والأفريقية في مرض الفشل الكلوي، بعدما تجاوز عدد المصابين به ثلاثة ملايين مواطن مصري. كذلك، يُدرج 27 ألف مريض جديد سنوياً على قائمة مرضى الفشل الكلوي، أكثرهم دون الخمسين من عمرهم، بالإضافة إلى أطفال. أما نسبة الوفيات بين المرضى، فتزيد عن 30% سنوياً، بينما لا تتجاوز عالمياً 7% فقط. هذه الأرقام المفزعة كشفت عنها "الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى"، فيما أرجعها أطباء إلى سوء الخدمة الطبية في البلاد وتردّي أحوال معظم وحدات الغسيل الكلوي.

في تقرير أصدرته أخيراً، أكدت الجمعية أنّ مصر تفوّقت على الدول الأفريقية في هذا المرض، محذّرة من خطورة تزايده خلال السنوات المقبلة. أضافت أنها مرشّحة لاحتلال "مكانة عالمية" في هذا المرض، في حال عدم اضطلاع الحكومة بدورها في مواجهة أسباب انتشاره، خصوصاً في حين يشرب 50% من الشعب المصري مياهاً ملوّثة. وطالبت جميع المسؤولين بالتحرك سريعاً لحماية المواطن من الموت المحقق، بعد إصابته بأمراض متوطنة وكبدية وكلوية بسبب تلوّث مياه الشرب.

وقد أشارت الجمعية إلى أنّ المستشفيات الحكومية والخاصة على حدّ سواء، تئنّ من كثرة المرضى الذين يخضعون لغسيل كلوي ومن عدم توفّر أجهزة كافية لذلك، إذ يتردد أكثر من 90% من المصابين بالمرض على المستشفيات الحكومية والتعليمية والتابعة للتأمين الصحي والمؤسسات العلاجية. يُذكر أنّ المريض في حاجة إلى ثلاث جلسات غسيل كلوي أسبوعياً، وأنّ تكلفة الجلسة الواحدة التي تتكفلها الدولة تتجاوز 500 جنيه مصري (نحو 57 دولاراً أميركياً)، وتستغرق ما بين ثلاث وأربع ساعات. أما الميسورون من المصابين بالفشل الكلوي والذين يمثلون 10% من مجموع المرضى، فإنهم يتوجهون إلى مستشفيات استثمارية.

إلى ذلك، كشفت الجمعية في تقريرها عن عوامل خطيرة تتسبب في انتشار الفشل الكلوي في مصر، منها التلوّث سواء أكان تلوّث المياه أم الهواء أم الأراضي بالمبيدات التي تنتقل إلى الخضروات والفاكهة. كذلك ثمّة عوامل أخرى تساهم في الإصابة بالمرض، منها الضغط العالي الذي ينتشر بين المصريين بكثرة نتيجة ضغوط الحياة، بالإضافة إلى داء السكري والسمنة وفقر الدم (أنيميا) وحالات صحية أخرى مثل تشكّل الحصى والعوامل الوراثية، منها على سبيل المثال ضمور الكلى أو عيوب في المسالك البولية والحالب. وذكرت الجمعية أيضاً أسباباً بيئية من قبيل تناول الأدوية بطرق عشوائية من دون داع ومن دون وصفة طبية، وكثرة تناول أدوية الروماتيزم والمسكنات والمضادات الحيوية.

أما أكثر المحافظات إصابة بالفشل الكلوي بحسب تقرير الجمعية، فهي المحافظات الساحلية، منها بور سعيد ودمياط والبحيرة. وتأتي في المرتبة الثانية محافظات وسط الدلتا كالدقهلية والشرقية والبحيرة والغربية، فيما تحلّ في المرتبة الثالثة محافظات الصعيد. وقد طالبت الجمعية كل مؤسسات الدولة بالعمل على مواجهة المرض وأسباب انتشاره "حتى لا يتحوّل إلى وباء".

من جهته، أبدى "المركز المصري للحق في الدواء" انزعاجه من الأرقام المخيفة حول هذا المرض، موضحاً أنّ وظيفة الكلى تنقية واستخلاص السموم والأملاح من الجسم، وعند إصابتها بالفشل تعجز عن أداء وظيفتها، فيُستخدم نوع من الفلاتر لتنقية الدم وترشيح السموم والبكتيريا. ولفت إلى أنّ المصابين بالفشل الكلوي قد يكونون أيضاً مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب "الإيدز" أو بفيروس التهاب الكبد "سي" أو وفيروس التهاب الكبد "بي".

وإذ أكد المركز على أنّ الفشل الكلوي أصبح مشكلة قومية يُدرج على قائمة الأمراض المزمنة التي يعاني منها المصريون ويتزايد بصورة خطيرة في المجتمع المصري، أوضح أنّ المرضى يواجهون يومياً احتمالات الإصابة بأمراض أخرى خطيرة قد تهدد حياتهم، مثل فيروسات الكبد المختلفة على خلفية عدوى أثناء جلسات الغسيل واستخدام الفلاتر أكثر من مرة لأكثر من مريض. يُضاف إلى ذلك تهالك عدد كبير من الأجهزة بسبب استعمالها لسنوات طويلة وعدم صيانتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى هبوط في عضلة القلب وضغط الدم، فيعجّل بالتالي وفاة المريض.




بهدف التعرّف عن كثب على مشاكل مرضى الفشل الكلوي وما يعانونه يومياً أثناء جلسات الغسيل، جالت "العربي الجديد" على عدد من المستشفيات الحكومية في القاهرة الكبرى. محمود كساب (33 عاماً) موظف في شركة سياحة، أصيب بالمرض في عام 2011. يخبر أنه ومذ ذلك التاريخ، يعاني من مشاكل كبيرة داخل "مستشفى الخانكة" في القليوبية، "إذ لا بدّ من أن أكون في المستشفى عند الساعة السادسة صباحاً لكي أحجز دوري". ويشير إلى أنّ "كل أجهزة الغسيل متهالكة، وكثيراً ما تتكرر أعطالها، الأمر الذي يتسبب في تأجيل بعض الجلسات. وهذا يؤثّر علينا صحياً، ويطاول جميع المرضى".

أما أحمد حماد (40 عاماً) وهو عاطل من العمل، فأصيب بالمرض قبل أربعة أعوام، ومذ ذلك التاريخ يتردد على "مستشفى كوتشنر" في شبرا. يخبر أنه أصيب بالتهاب الكبد من النمط "سي" بسبب سوء حالة الأجهزة، لافتاً إلى "رفع شكاوى عديدة ولا من يجيب. أنا أتلقى علاجي على نفقتي الخاصة بمبلغ 200 جنيه (نحو 23 دولاراً) شهرياً، فضلاً عن شرائي كيس دم مرّة كلّ ستة أشهر". منى زينهم أيضاً، وهي موظفة في محافظة الجيزة، رفعت شكاوى كثيرة "نظراً لسوء حالة الأجهزة. في كل مرة يكون الرد على شكل وعود بتجاوز تلك المشاكل. لكنّ الوضع العام على ما هو عليه". تضيف أنّ "في كل يوم، يموت واحد منّا، وهو الأمر الذي يثير فزعنا. كذلك، نصادف يومياً مرضى جددا".

سيدة أحمد (55 عاماً) هي ربة منزل تتلقى علاجها في "مستشفى التأمين الصحي" في شبرا الخيمة، تقول: "نقضي جزءاً كبيراً من عمرنا على أجهزة الغسيل (أربع ساعات) فيما نعاني بقية اليوم من مضاعفات صحية وإعياء تحول دون ممارسة حياتنا بطريقة طبيعية". وتؤكد أنّ "الفشل الكلوي من أصعب الابتلاءات التي قد يعرفها الإنسان"، محمّلة "النظام مسؤولية انتشار المرض، إذ يسمح بدخول أغذية مسرطنة ومليئة بالهرمونات، فضلاً عن مياه الشرب الملوّثة". في المستشفى نفسه، راحت الحاجة سهير عبد ربه تعبّر عن غضب شديد بسبب سوء معاملة الأطباء للمرضى أثناء عملية الغسيل.

في السياق ذاته، شدّد استشاري المسالك البولية في مستشفى أحمد ماهر التعليمي، الدكتور عادل حسين، على أنّ "مرض الفشل الكلوي من أكثر الأمراض التي تحتاج إلى دقة في التشخيص والعلاج، إذ هو من الأمراض التي لا تقبل الخطأ". ويوضح أنّ "أثناء الغسيل الكلوي، يخرج دم المريض كاملاً من جسمه لتعاد تنقيته من السموم، تعويضاً عن وظائف الكلى. وهذا الأمر يحتاج إلى قائمين عليه من ذوي الخبرة والكفاءة العالية، حتى تتمّ العملية بنجاح".

ويعيد حسين ارتفاع نسب الإصابة بالفشل الكلوي في مصر إلى "أسباب عدّة، في مقدّمتها الأغذية المسرطنة التي غزت البلاد، فضلاً عن اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري الملوّثة، بالإضافة إلى أسباب مرضية مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وانسداد المسالك البولية". ويلفت إلى أنّ "نسبة تلوّث المياه في مصر تزيد على ثلاثة أمثال معدلاته العالمية، وتتفاقم نسب التلوّث في محافظات القاهرة الكبرى بالمقارنة مع سواها من محافظات الجمهورية". يضيف أنّ "أكثر من 6.5 ملايين طنّ سنوياً من المواد الصلبة تقذف في مياه النيل. كذلك فإنّ تلوّث المياه الجوفية في الدلتا التي يشربها الناس بعد ضخّها، كبير، خصوصاً في القرى".

ويطالب حسين بـ "ضرورة الحزم ووقف صرف المياه الملوّثة ومواجهة المصانع والشركات، إذ كثيرة هي التي تلقي بموادها الصلبة في مياه النيل، فتدمّر كل شيء نظراً لارتفاع نسبة الأمونيا فيها. ويؤدّي ذلك إلى نفوق الأسماك والتسبب في أمراض للبشر". ويوضح أنّ "ثمّة ثالوثاً مدمراً من الأمراض انتشر في مصر وهو الفشل الكلوي والتليّف الكبدي والأمراض السرطانية. كلها أمراض سببها التلوّث، وهو ما يتطلب من الحكومة وقفة جادة لمواجهتها والحدّ منها عن طريق تجفيف أسباب انتشارها".

المساهمون