اختفاء معالم بغداد التراثية

27 اغسطس 2016
بعض المعالم العباسية مهددة (حسن مروة/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بدأت حملات عديدة لإزالة وهدم معالم بغداد القديمة بحجة الاستثمار والتطوير. لكنّ ذلك تسبب في خسارة العديد من المعالم التراثية، التي لطالما اعتبرها البغداديون جزءاً من تاريخهم الإنساني قديماً وحديثاً. فمنها ما يعود إلى الحقبة الملكية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وكثير منها يعود إلى عهد الدولتين العثمانية والعباسية قبل ألف عام.

يستنكر خبراء وناشطون وإعلاميون القرارات العديدة للحكومة العراقية بهدم المعالم الأثرية والتراثية في بغداد. وبالفعل، حصلت ضجة كبيرة إثر هدم معهد الفنون الموسيقية من قبل السلطات العراقية في يونيو/ حزيران الماضي، الذي يعود تاريخ بنائه وتأسيسه إلى الحقبة الملكية في البلاد عام 1936.

تبعت ذلك أعمال هدم أخرى طاولت عدداً من المواقع التراثية في العاصمة، بالرغم من حملات الاستنكار والتنديد من قبل الخبراء والناشطين، الذين وصفوا قرارات الهدم بـ"المشبوهة".

قبل سنوات، استهدفت حملات الهدم عدداً من المنازل التراثية البغدادية القديمة المبنية في العهدين العباسي والعثماني. وقد ذُكر أنّ أصحابها لم يكونوا يملكون سكناً غيرها، واضطروا إلى هدمها والبناء مكانها أو ترميمها. لكنّ الخبراء ألقوا باللوم على السلطات المركزية، التي لم تشرع في خطة عمل لترميم تلك المنازل التراثية القديمة والعناية بها ومنع هدمها وتعويض أصحابها، لتكون ضمن لائحة التراث العراقي القديم.

تتميز المنازل التراثية في بغداد بالزخارف الجميلة والطراز المعماري الفريد، وهي مشيدة بالجص والآجر، ومدعّمة بأعمدة من الخشب المزخرف والأحجار البحرية، وأكثر ما يميزها ذلك النمط من الزخارف من الطراز العباسي.

بدأت حملات المطالبة بحماية التراث البغدادي عام 2013، حين أعلنت وزارة السياحة والآثار العراقية عن تأهيل عدد من الدور التراثية في العاصمة، وطالبت وزارة الثقافة وأمانة بغداد بضرورة إنقاذ ما تبقى من المواقع التراثية وأبرزها شارع الرشيد.




بدورها، كشفت أمانة بغداد في يونيو/ حزيران الماضي عن أنّ الحكومة العراقية لم تسلّم إدارة الأمانة المبالغ اللازمة لتأهيل المواقع الأثرية والتراثية في المدينة. وقال مدير العلاقات العامة في الأمانة، حكيم عبد الزهرة، في تصريح سابق: "لم تخصص أية مبالغ مالية للأمانة لتنفيذ خطط تأهيل المواقع التراثية في العاصمة".

لكنّ باحثين وناشطين اعتبروا تصريحات الجهات الحكومية مجرد تبريرات غير مقنعة، محذرين من استمرار حملات هدم المواقع التراثية بحجة الاستثمار والتطوير، الذي تتخذه بعض الجهات الحكومية وسيلة لتبرير عمليات الهدم.

كذلك، لم تفلح دعوات بعض السياسيين إلى الحكومة العراقية حول تطوير المناطق التراثية في بغداد، بدءاً من شارع الرشيد وساحة التحرير وصولاً إلى ساحة الميدان، التي تضم نحو 70 في المائة من معالم بغداد التراثية.

في هذا الإطار، يقول الباحث في التراث البغدادي، فيصل المسعودي: "هذا التراث معرض للزوال نتيجة الحملات المشبوهة غير المبررة من قبل بعض السلطات الحكومية، التي هدمت العديد من المواقع بحجة الاستثمار والتطوير". يضيف لـ"العربي الجديد": "من الأبنية والمواقع التراثية المستهدفة ما يعود تاريخه إلى العصرين العباسي والعثماني. لدينا معلومات تؤكد أنّ هناك نوايا لتجريد العاصمة بغداد من تاريخها، عبر عمليات الهدم غير المبررة".

لكنّ الناشطين لا يملكون أكثر من مطالبة المنظمات العالمية المعنية بالتدخل لحماية التراث. فقد استنكر هؤلاء هدم "خان الباشا" في شارع الرشيد، أحد أشهر الشوارع التاريخية في بغداد، لكنّ استنكارهم لم ينفع، بل تبعته عمليات هدم أخرى، منها ما كان بأصابع حكومية، أو بأصابع أخرى بعيدة عن الرقابة، بحسب وصف مصادر حكومية بالذات.

يقول الناشط، حمزة البغدادي: "المعالم الأثرية في بغداد مهددة بالزوال لسببين؛ أولهما عمليات الهدم الحكومية غير المبررة، وثانيهما أنّ الكثير من تلك البيوت والأبنية التراثية ملك خاص، يقوم أصحابها بهدمها وتحويلها إلى بنايات حديثة، أو يبيعونها إلى آخرين، ثم تجري عمليات الهدم من دون تدخل السلطات الحكومية".

تمتد الحملات إلى آثار حديثة أيضاً. من ذلك هدم دار أول وزير مالية، حسقيل ساسون (1860- 1932). وذلك، بعد منح أمانة بغداد منزله إلى أحد المستثمرين. وهو منزل يعتبره البغداديون من أبرز المعالم الأثرية في العاصمة، وقد أثار الفعل استياء واسعاً.

دلالات