مياه زمزم يلوثها قطع جبال مكّة والتمدد العمراني

27 فبراير 2015
انحراف المسارات انعكس سلباً على مصادر مياه زمزم(فرانس برس)
+ الخط -
يتسبّب قطع جبال مدينة مكة وإقامة المشاريع وتشييد المباني الشاهقة فيها، من دون العودة إلى المختصين في شؤون الجيولوجيا والبيئة، بآثار سلبيّة على مسارات مياه العيون التي تغذّي بئر زمزم، إذ يحرفها عن مسارها الطبيعي ويرفع مستوى منسوب المياه السطحيّة في البئر بما تحويه من بقايا عضويّة ومياه صرف صحي وبقايا مواد سامة ملوّثة.

وتعزو عضو مبادرة "مكّة المحميّة الربانيّة"، هناء حميدان، سبب تلوّث مياه زمزم، إلى عامل التمدّد العمراني وتأثيره في تقليل المخزون الجوفي للمياه، بالإضافة إلى إزالة سفوح الجبال أو الجبال بأكملها بما تحوي من طبقة تعمل كمصفاة للمياه. وتوضح في حديث إلى "العربي الجديد" أن "إزالة الجبال أدّت إلى قطع مسارات المياه نحو البئر، الأمر الذي انعكس سلباً على مصادر مياه زمزم المقدّسة التي لا تقدر بثمن". تضيف: "كذلك، فإن الاستخدام المكثف لهذه المياه من قبل الحجاج والمعتمرين يتطلب في المقابل تجديدها. وهي عادة تتغذى من الأمطار التي تصلها عبر الجبال، لتشكل مخزونها المائي. لكن تكسير الطبقة الصخريّة لهذه الجبال التي تتكون من صخور الغرانيت والتي تحوي غاز الراديوم، أدّى إلى تلوّث المياه بهذه المادة".

وتوضح حميدان أن "مسارات مياه زمزم تتفرّع من وادي إبراهيم تحت الأرض على عمق لا يتجاوز 12.8 متراً من مستوى فوهة البئر وسطح البحر. وقد أقيمت بالقرب منه مشاريع تصل أساساتها إلى عمق 30 متراً تحت الأرض كالمشروع الذي أقيم بعد إزالة جبل عمر وأيضاً مشروع برج الساعة الذي أقيم بعد إزالة جبل بلبل. بالتالي، تأتي هذه المباني بأساساتها الغائصة في جوف الأرض أشبه بالسدود لمياه زمزم، بعد اختراق مساراتها. وبذلك يرتفع منسوب المياه السطحيّة بما تحوي من بقايا عضويّة ومياه صرف صحي وبقايا مواد سامة، نتيجة تعرّضها لملوّثات كثيرة بسبب استغلال المنطقة في البناء والتوسّع العمراني بشكل غير مدروس".

وتشير حميدان إلى أن "ثمّة دولاً تنشئ هيئات للمحافظة على مصادر مياهها، أما نحن فنغفل عن ذلك في حين أننا أحوج ما نكون إلى المياه وإلى كل قطرة من مياه زمزم". وتتحدّث عن "دراسة بيئيّة أعدّتها هيئة تطوير مكّة أوصت من خلالها بألا يتجاوز ارتفاع المباني في المنطقة ثماني طبقات، غير أن الدراسة ما زالت حبيسة الأدراج". وتشدّد على أن التلوّث ليس أمراً مستجداً، وقد أنشئ معمل بهدف تنقية مياه زمزم من هذا التلوّث. وفي هذا الإطار، أتت مبادرة "مكّة المحميّة الربانيّة" التي أطلقها ناشطون قبل نحو عام لحماية البيئة المكيّة من التلوّث.

من جهته، يقول عضو المبادرة وعضو الهيئة العليا لتطوير مكّة، المهندس جمال شقدار، لـ"العربي الجديد"، إن مبادرتهم هي "مبادرة خضراء أطلقها أهالي مكّة والمهتمون بها، لتوعية المجتمع والتعاون مع الأجهزة الحكوميّة المعنيّة من قبيل أمانات العاصمة وهيئة تطوير مكّة وهيئة المساحة الجيولوجيّة، للتعاون معها بهدف تقديم حلول ومقترحات مشاريع لحماية البيئة المكيّة ومساندة هذه الجهات في أي موضوع ذي صلة".

ويوضح أن الأفكار التي يقدمونها كلها "ذات بعد بيئيّ معتمد عالمياً، يوصي بأن تكون المنشآت وجميع المشاريع صديقة للبيئة. فمكّة هي محميّة ربانيّة بحسب ما جاء في الأوامر الإلهيّة التي نصت على أساليب كثيرة لحماية البيئة المكيّة ومنها عدم قطع الشوك. لكن للأسف، لا يُطبّق ذلك بسبب غياب الوعي المجتمعي". يضيف أن "جبال مكّة مثلاً لها بعداً دينياً وعلاقة بمسارات مياه مكّة ومسارات زمزم. بالتالي فإن قواعد المشاريع المرتفعة تؤثر على المسارات وتؤدي إلى انحرافها وتؤثر على نسب المعادن فيها وعلى تركيبة مياه زمزم".

ويلفت شقدار إلى أنه تقدّم بورقة عمل "تضمّنت مقترحات عدّة لحماية البيئة المكيّة ومنها الحماية من التلوّث بأنواعه الهوائي والمائي والسمعي والبصري، وكذلك لضمان حماية مسارات زمزم وحماية جبال مكّة من القطع الجائر وقطع الأشجار، والعمل في المقابل على زيادة المساحات الخضراء وتدوير النفايات والحدّ من مطامر النفايات العشوائيّة التي تؤثّر على المسارات والبيئة من خلال حصرها وترشيدها حتى لا تؤثّر على المياه السطحيّة".

#جبال_مكة_المكرمة
إلى ذلك، أحدثت عمليّة إزالة جبال مكّة في السنوات الأخيرة ضجّة بين أهالي المدينة الذين أطلقوا في ديسمبر/كانون الأول 2013 هاشتاغ "#جبال_ مكة_المكرمة"، جمع العديد من التغريدات على موقع "تويتر" أبدى مدوّنوها امتعاضهم مما يحدث. فكتب سلطان الطس في تغريدات متتالية: "كل جبل يهدم في مكة تشوه معه ذاكرة المكان وأدلة السيرة وقصص الحضارة هذا بخلاف تأثير الهدم المدمر للبيئة وموارد المياه، وأهمها روافد زمزم". أضاف أن "التأثير على مسارات زمزم متوقع خصوصاً مع عمق أساسات الأبراج المقامة حديثاً"، قبل أن يتابع "والتنمية المستدامة هي التي تحافظ بالضرورة على طبوغرافية المكان ومكوناته الطبيعية. أما استبدال الجبال الطبيعية بالأبراج هو عبث بالنظام البيئي".

أما الكاتب الدكتور فائز صالح جمال وهو عضو في "مكّة محميّة ربانيّة"، فغرّد: "إذا علمنا أن مسارات زمزم الرئيسية تمر عبر وادي إبراهيم وشاهدنا الصورة المرفقة فسنعرف مقدار الاستهتار بآية من آيات الله".

جبل عمر
وكانت إزالة جبل عمر قبل سنوات قد ترافقت أيضاً مع ضجّة دفعت بالباحث في الحضارة الإسلاميّة الدكتور المهندس سامي عنقاوي وقتها، إلى مناشدة الملك السعودي الراحل عبدالله "النظر في الحدّ من تفجير الجبال في مكّة، في المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام ومن بينها مشروع جبل عمر".

وقد كشف العنقاوي وهو المدير العام لمركز أبحاث الحج سابقاً، من خلال دراسات أجراها خلال أربعة عقود، عن "وجود علاقة بين الجبال وجذورها الصخريّة وبين بئر زمزم وتأثير تفجير الجبال المحيطة بالبئر وإزالتها على النظام الجيولوجي والهيدرولوجي وكذلك على توازن الأرض لأم القرى وشعابها"، مشدّداً على أن "بئر زمزم من الثوابت في مكّة المكرّمة والمسجد الحرام التي تتطلب الحرص عليها والحدّ من كل ما يؤثر عليها بيئياً وجيولوجياً وهيدرولوجياً".

دلالات