لم تهدأ الأوضاع في مدينة كولن الألمانية، على خلفية الاعتداءات التي تعرّضت لها عشرات النساء ليلة رأس السنة، في ظل تزايد أعمال العنف في البلاد والاعتداء على باكستانيين وسوريين، أول من أمس.
يوم السبت الماضي، تظاهر نحو ثلاثة آلاف ناشط من اليمين المتطرف، وقد عملت الشرطة الألمانية على تفريقهم بخراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع، بعدما رموا الشرطة بالمفرقعات النارية. لم ينته الأمر هنا. مساء اليوم التالي، تعرض مجموعة من الباكستانيين والسوريين لهجومين عنيفين شنهما مجهولون وسط كولن، كما أعلنت الشرطة الألمانية.
في هذا السياق، تقول مصادر في الشرطة لـ"العربي الجديد": "إن نحو الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر، حصلت الشرطة على معلومات تشير إلى أن مجموعات تتجهز للاعتداء على مهاجرين. وهاجمت مجموعة تضم نحو عشرين شخصاً ستة باكستانيين، وقد جُرح اثنان منهم على مقربة من محطة القطار الرئيسية ونقلوا إلى المستشفى. وبعد نحو عشرين دقيقة، وفي مكان قريب، هاجمت مجموعة ثانية تتألف من خمسة أشخاص رجلاً يحمل الجنسية السورية ويقيم في مدينة فرشن". تضيف أنه "ليس هناك دليل في ما إذا كان هناك علاقة بين الحادثتين، وإذا كان ما حصل ردة فعل حيال اعتداءات رأس السنة".
إلى ذلك، كشفت السلطات الألمانية، أمس، عن نتائج تحقيقاتها الأولية حول ما جرى في كولن ليلة رأس السنة. وقد تلقت 500 شكوى، 40 في المائة منها اعتداءات جنسية. وفي الوقت الحاضر، يوجد 10 أشخاص من المشتبه بهم من طالبي اللجوء، وتسعة آخرون مهاجرون غير شرعيين يتحدرون من دول شمال إفريقيا، وقد كانوا تحت تأثير الكحول والمخدرات. وأوضح وزير داخلية الحكومة المحلية في رينانيا الشمالية رالف ياغر، في مؤتمر صحافي، أنه "لا نملك معلومات حتى الآن أن الأحداث كان مخططاً لها"، مضيفاً أنه "كان على قائد الشرطة في المدينة أن يتنحى عن منصبه من أجل استعادة ثقة الشعب بالشرطة".
وفي استطلاع للرأي أجرته شبكة تلفزيون "ار تي ال" الألمانية، تبين أن 57 في المائة من الألمان يخشون تزايد الجرائم مع وصول هذه الأعداد من المهاجرين، في مقابل 40 في المائة يخالفونهم الرأي. وكانت قد زادت شكوك الرأي العام الألماني حول قدرة البلاد على دمج طالبي اللجوء المليون الذين توافدوا العام الماضي إلى البلاد، قادمين من سورية والعراق وأفغانستان وغيرها من البلاد. كذلك، أثارت هذه الأحداث انتقادات لسياسة الأبواب المفتوحة للمهاجرين التي تنتهجها المستشارة أنجيلا ميركل.
من جهته، اشتكى المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا من تزايد التحريض والعداء ضد المسلمين عقب اعتداءات ليلة رأس السنة في مدينة كولن. وقال رئيس المجلس، أيمن مايزيك، لصحيفة "كولنر شتات-أنتسايغر" الألمانية، إن "المجلس يتعرض للتهديد، وهناك تحريض كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أن "ما حصل أدى إلى تزايد المواقف العنصرية والمعادية للمسلمين"، رافضاً الاعتداء على النساء أو التعرض لهن بالإهانة.
وفي أعقاب هذه الاعتداءات، طالب البعض بالتشدد في قوانين اللجوء. ويصرّ مسؤولون على المطالبة بتعديل القوانين الخاصة بالجرائم التي يرتكبها الأجنبي في البلاد، لتصل العقوبة إلى الترحيل من البلاد، الأمر الذي عبرت عنه ميركل خلال الاجتماع المغلق لحزبها (الاتحاد الديمقراطي المسيحي). وأيدت التشدد في قواعد طرد طالبي اللجوء الذين سيدانون من قبل القضاء الألماني ولو بأحكام مع وقف التنفيذ، موضحة أنه في حال وجهت التهمة للاجئ بارتكاب جريمة، فهذا يعني أن حق الإقامة يجب أن ينتهي.
اقرأ أيضاً: الرعب الذي اجتاح نساء ألمانيا
إلى ذلك، وعن إمكانية كشف المحققين للفاعلين، وقد بات في حوزتهم أكثر من 350 ساعة من تسجيلات كاميرات مراقبة ومقاطع الفيديو، وإفادات عدد كبير من الشهود، يشير خبراء في مجال التكنولوجيا إلى أن "المهمة ليست سهلة؛ كون الشرطة لا تملك نظاماً لتحليل صور ووجوه المشتبه بهم، بل تعتمد المقارنة التطبيقية العادية، ناهيك عن الاكتظاظ في المكان".
قانونياً، يرى حقوقيون أنه "في حال ثبت أن من بين المسؤولين عن هذه الأعمال لاجئين، سنكون أمام واقع جديد ومغاير"، لافتين إلى أن "قرار الترحيل سهل، لكن تطبيقه صعب؛ كونه يخضع لمعايير عدة، عدا عن العقبات القانونية التي تحول دون تنفيذه، علماً أن إقامة اللاجئ المؤقتة عادة ما تمنح لأسباب إنسانية أو سياسية".
وينص القانون الحالي على "طرد كل طالب لجوء في حال حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الأقل، شرط ألا تكون حياته في موطنه الأصلي مهددة".
في المقابل، يرى مراقبون أنه "يبقى هناك خوف وبعد إتمام التعديلات والإجراءات القضائية وقوانين اللجوء التي يتم التحضير لها، أن تصبح ألمانيا، البلد الذي رحب باللاجئين، عرضة للانتقادات، كون تلك القرارات ستسمح لمن يعادي الإنسانية أساساً بالتربص مجدداً بهؤلاء الأشخاص. والأصح هو معاقبة هؤلاء كأي مرتكب من المواطنين الألمان، والتحضير لحلقات نقاش لتحديد أسباب العنف في صفوف المهاجرين والعمل على دمجهم".
في موازاة ذلك، يعمل ناشطون في المجتمع المدني، حمّلوا الشرطة مسؤولية ما حصل ليلة رأس السنة، على دمج اللاجئين، وحثّهم على التعرف على القيم الألمانية واحترامها.
اقرأ أيضاً: ورود مغاربية للألمانيات ترفض التعميم