مفقودون تونسيون... غياب الحلول يغيّب المئات في إيطاليا

31 اغسطس 2018
يسألون عن أبنائهم (العربي الجديد)
+ الخط -

في غياب الإرادة السياسية للحلّ، يبقى ملف التونسيين المختفين في إيطاليا عالقاً، لكنّ الأهالي يستبشرون خيراً بزيارة مرتقبة لوزير الداخلية الإيطالي.


تأمل منظمات وجمعيات تونسية ناشطة في مجال الهجرة السرية، أن تساهم التشريعات الجديدة الخاصة بالمهاجرين وصعود أحزاب يمينية متشددة في إيطاليا في كشف حقيقة اختفاء ما لا يقل عن 504 تونسيين، فحكومات كثيرة يسيطر عليها اليمينيون لم تعد ترغب في مزيد من المهاجرين المتدفقين ولا في بقاء من وصل منهم إلى إيطاليا.

تعلق عائلات المفقودين في تونس آمالاً كبيرة على زيارة وزير الداخلية الإيطالي، المنتمي إلى حزب رابطة الشمال، اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، تونس خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، لعلّها تحمل أخباراً جديدة؛ فالزيارة التي ستشمل دول المغرب العربي هدفها وقف تدفق المهاجرين ووضع حد للقوارب، خصوصاً من تونس والجزائر، لكنّ هناك أيضاً ملفات ساخنة يجب فتحها ومنها ملف المفقودين بحسب العائلات.




في هذا الإطار، يقول رئيس جمعية "الأرض للجميع"، عماد السلطاني، لـ"العربي الجديد": "سنعمل على مزيد من الضغط على الحكومة التونسية، وسنصعّد من نسق الاحتجاجات والوقفات التضامنية للعائلات لكي تفتح السلطات التونسية ملف المفقودين". يضيف: "أين اختفى أبناؤنا؟ سؤال لم تجد له العائلات أيّ إجابة منذ الثورة التونسية"، مبيناً أنّ الحقائق التي ظهرت بعد اختفاء ما لا يقل عن 504 تونسيين هي التي ضاعفت حيرة الأهالي، فالعديد منهم يملكون مقاطع فيديو وصورا توثق وصول تونسيين إلى إيطاليا لتختفي بعدها أخبارهم.

يوضح المتحدث أنّ عائلات المفقودين والجمعيات الناشطة في الهجرة السرية مصرّة على معرفة الحقيقة، مشيراً إلى أنّ الاتفاقية التي أبرمت بين رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني، والرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة، عام 2011، تحمل العديد من النقاط التي لم تكشف للرأي العام حول المهاجرين السريين، مشيراً إلى أنّه عندما تكون لأمهات المفقودين إثباتات أنّ أبناءهن وصلوا إلى إيطاليا فإنّه كان من الأجدر أن تبادر السلطات التونسية إلى فتح تحقيق وكشف مصيرهم. يشير السلطاني إلى أنّه في ظلّ غياب الضغط التونسي في ملف المفقودين وغياب دور الجهات الرسمية التي في إمكانها أن تحرج السلطات الإيطالية، لن يتحقق أيّ تقدم.

تؤكد رئيسة "جمعية أمهات المفقودين" والدة أحد المفقودين، فاطمة الكسراوي، أنّ الأهالي التقوا أخيراً ممثلين من الاتحاد الأوروبي ومختصين دوليين بملف الهجرة، على هامش مؤتمر "جسور تونس" الذي عُقد في قمرت، في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، يوم 16 أغسطس/ آب الجاري، بمبادرة من "مرصد التونسيين بالخارج" و"المؤسسة المغاربية الألمانية للثقافة والإعلام" ولمسوا تعاوناً كبيراً من قبلهم، لكنّ المشكلة أنّ السلطات التونسية هي التي لا تتحرك بالكيفية المطلوبة. تضيف الكسراوي لـ"العربي الجديد" أنّ غالبية الجهات التي التقوها كانت مستعدة لمدّ يد المساعدة، شرط تحرك السلطات التونسية. تضيف أنّ الإرادة السياسية غير موجودة، فلو أراد رئيس الدولة فتح الملف لانتهت معاناتهم، مشيرة إلى أنّ ابنها، رمزي الولهازي، هاجر سراً وفقد منذ مارس/ آذار 2011، لكنّ ما جعلها تتشبث ببصيص أمل أنّ ابنها ظهر في مقطع فيديو يحاول التحدث مع سيدة إيطالية، ليمنع بعدها من مواصلة الحديث. تتابع أنّ العائلات تدرك جيداً أنّ من بين المفقودين هناك من غرق وهناك من دفن في إيطاليا، لكنّ هناك أيضاً تونسيين أحياء في سجون إيطالية وهؤلاء يجب العمل على الوصول إليهم وفتح ملفهم.



يؤكد المكلف بالإعلام، في المنتدى الاجتماعي والاقتصادي التونسي، رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد" أنّ الملف معطل لغياب الإرادة السياسية، مبيناً أنّ لجنة التحقيق التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والتي كلفت بملف المفقودين معطلة لأنّ وزارة الشؤون الاجتماعية لم تقم بدورها. يضيف أنّ تعطل لجنة التحقيق مظهر من مظاهر إخفاق الدولة وكأنّ مصير تونسيين مفقودين هو من المواضيع الهامشية التي لا تقلق الحكومة، مبيناً أنّ التحدي أصبح مضاعفاً لأنّ ظاهرة المفقودين تتزايد من سنة إلى أخرى، ففي عام 2018 فقد أثر 4 شبان من العالية بمحافظة بنزرت بعد هجرتهم في قارب، وهناك آخرون من المهدية ومدنين، وبالتالي، لم تعد المطالبة بأن تصدر لجنة التحقيق تقريرها حول المفقودين من 2011 بل أيضاً معرفة مصير من فقد حتى 2018 والنظر في الخطوات المقبلة.

يطالب بن عمر بآلية دائمة للإعلام المستمر وللبحث عن المفقودين مع إنشاء بنك معلومات تتوجه إليه العائلات للإعلام عن حالات اختفاء أبنائها في الهجرة السرية وتقديم المعطيات اللازمة والبصمة الخاصة بهم ودعم التنسيق مع السلطات الإيطالية. يتابع أنّ من الواضح أنّ السلطات الإيطالية ترغب في التخلص من عبء هذا الملف في أسرع وقت، بسبب تغير قوانين الهجرة ووصول مسؤولين جدد، وهي بصدد إلقاء المسؤولية على حكومات دول الجنوب لأنّها لا تقوم بدورها في هذا الصدد ولا تملك بنك معلومات جاهزاً ومحدثاً وآلية دورية للإعلام عن المفقودين.

يتابع أنّ المسؤولية مشتركة، فحتى السلطات الإيطالية لا تقدم أيّ معلومات حول المفقودين لديها وأعداد الجثث، فهناك مئات الجثث التي لم يستخرج حمضها النووي، إلى جانب وجود مهاجرين من دون هويات. ويقول إنّ المأساة ستتواصل في ظلّ تواصل موجات الهجرة السرية وفي ظل غياب أيّ جهود من الجانب التونسي بالرغم من محاولات الضغط من قبل المجتمع المدني والمنظمات التونسية، مشيراً إلى أنّ الغاية هي معرفة الحد الأدنى من المعلومات حول المفقودين.




بدورها، تطالب، منجية، وهي والدة أحد المفقودين، السلطات التونسية بكشف مصير المختفين، خصوصاً أنّهم لم يتركوا جهة رسمية أو غير رسمية من دون أن يقصدوها حتى أنّهم قدموا ملفاً لهيئة الحقيقة والكرامة (حكومية). تضيف لـ"العربي الجديد" أنّهم يأملون تحرك رئيس الجمهورية والضغط على السلطات الإيطالية لكشف المعطيات اللازمة حول أبنائهم. وتؤكد أنّ ابنها، أيمن العجمقي، مضى على فقدانه 10 أعوام لكنّ لديها الأمل في عودته، خصوصاً إذا عمل الجانب الإيطالي على حلحلة الملف، لكن لا بدّ من تحرك رسمي من قبل السلطات التونسية، كما تقول.

أمل باليمين
تقول رئيسة "جمعية أمهات المفقودين" في تونس، فاطمة الكسراوي، إنّه مع صعود الأحزاب اليمينية في إيطاليا، فإنّ بوادر الحلّ تبقى قائمة. لكنّها تشير إلى أنّه لاعتبارات سياسية لم يُفتح ملف أبنائهم، لا سيّما أنّهم يجهلون خفايا الاتفاقية السابقة بين رئيسي الوزراء الإيطالي والتونسي عام 2011 سيلفيو برلسكوني والباجي قائد السبسي.