غداً أو بعده

15 سبتمبر 2014
طفلة تحمل العلم اللبناني (AFP)
+ الخط -

غداً، سأحمل ابني جاد، سأمسك يد زوجي وسنمشي، في حديقة عامّة جميلة في كندا. سأحمل سلّة من القش كتلك التي يحملها الممثلون في الأفلام، سأفرش الشرشف الأبيض والأحمر على العشب، ونجلس لنأكل.

سيملّ جاد من الجلوس، سيأخذ الخبز ويرميه للبطّ العائم في بحيرة الحديقة.

نعود إلى بيتنا الدافئ، أتصل بأهلي. ستروي أمي بصوتها المرعوب نفسه منذ العام 1975، أخباراً عن خطف، وقتل مسلحين لمدنيين، في مدينة ما، في بلدة ما... ستخبرني عن طوائف لا أذكر وجودها، تذبح بعضها بعضاً، وعن زعيم قرّر افتتاح مستوصف مجاني، يعالج فيه جرحى "القتال الأخوي".

أملّ من الحديث الغريب. حديث من كوكب آخر، عن كائنات أخرى. أدّعي أنني لا أسمع، وأقفل الخطّ.

غداً، سأجلس على كنبتي المريحة في كيبيك أو مونتريال، أشعل المدفأة، والثلج يتساقط في الخارج، أشاهد التلفزيون.

سأمرّ على قنوات عدّة تنقل تصريحات لشخص، يقال إنه الأمين العام لجامعة الدول العربية، يتحدّث فيها عن مفاوضات مع "الدولة الإسلامية"، وعن تهديد بطرد سفيرها من الجامعة.

لا أفهم الكثير مما يقوله، فبالي في مكان آخر، نتائج امتحان جاد في عزف البيانو تصدر بعد قليل.

غداً، سيحمل ابني الجنسية الكندية، لن يعرف الكثير عن حياتنا هناك، في البقعة الأخرى من الأرض المسماة العالم العربي.

سأخبره ربّما عن الموسيقى الجميلة، وعن بعض الكتب والروايات، وعن زمن جميل قيل لنا إنه وجد في حقبة ما. حقبة لم نعرفها لا أنا ولا والده، وأغلب الظنّ أنه من صناعة خيال أهلنا المريض بانتصارات وانجازات لم تتحقّق يوماً.

سأخبره عن محاولات قام بها بعض الشباب لتغيير ما، فانتهى بهم الأمر في السجون أو جثثاً هامدة "قتلت في ظروف غامضة".

غداً، سنترك هذا السيرك. غداً لن أحمل ابني وأهرب به من مخبأ إلى مخبأ، ومن منطقة إلى منطقة، وأنا أصرخ بلا وعي، خوفاً من تفجير ما، من صاروخ ما، من زعيم ما.

لن أخاف من إرساله إلى مدرسته، لن أضطر للنزول إلى الشارع وأنا أستجدي السلطات حقي بإعطائه جنسيتي. لن أخاف عليه من مشاهدة التلفزيون، لن أضطر لتبرير كل الجنون الذي يدور حولنا، في الحي، في الشارع، في المدينة.

سيدخل ابني مدرسة جميلة، فيها لعب بلاستيكية ملونة، وكتب مصوّرة، جنباً إلى جنب مع أطفال كنديين آخرين.

قد ننزل كعائلة إلى تلك التظاهرات التضامنية مع العرب، التظاهرات الملوّنة والمبهرجة التي نشاهدها اليوم، والقصف يمرّ من أمام نوافذنا، نحن، أهل لبنان وسورية وغزة.

غداً، أو ربما بعد غد. سنترك لكم هذه البلاد ومن فيها، وسنرحل إلى بلادنا الأخرى الخضراء، إلى البلاد الجميلة برتابتها وبروتينها.

كندا، انتظرينا.

المساهمون