عروس موريتانيا بالثوب الأسود

21 مايو 2016
يتحدثن عن زفاف إحداهن المرتقب (جورج غوبيت/فرانس برس)
+ الخط -
ليلة الزفاف، تختفي العروس عن عريسها بعدما ترتدي ثوباً أسود. تحاول صديقاتها إبقاءها بعيدة عنه وعن معارفه أطول فترة ممكنة. هذه إحدى العادات الموريتانية التي يحرص الجميع على الالتزام بها خلال حفل الزفاف، مهما كانت محاولات استرجاع العروس أو منع هروبها صعبة.
كثيرة هي العادات الموريتانية التي تميّز العرس التقليدي، خصوصاً في ليلة الزفاف. ترتدي العروس اللباس الأسود بعدما تتزيّن بالعقيق التقليدي الذي يحميها من العين. وتفرض التقاليد على العروس تغطية وجهها لإظهار خجلها من فكرة الارتباط برجل وتكوين أسرة. وعلى امتداد ليالي الزفاف، تُمنَع من أن تتحدث إلا مع قريباتها.

وعادة ما تلتزم جميع الموريتانيات بهذه العادات، ولا تزف العروس إلا وهي تغطي وجهها. وقلّة فقط من الفنانات الموريتانيات اخترن الكشف عن وجوههن في الزفة، في محاولة للتخلص من هذه العادة، إلا أنهن تعرضن لانتقادات كبيرة. فاللباس الأسود وإخفاء الوجه هما عادتان مقدستان يتغنى بهما الشعراء ويتفاخر بهما الموريتانيون.

"المَرْوَح"

بعد إتمام عقد الزواج، يبدأ الحفل، الذي يُعرف بـ"المَرْوَح". يتوالى الضيوف والمدعوون، ثم يأتي العريس وأصدقاؤه في موكب، وهم يرتدون الزي التقليدي الذي يعرف في موريتانيا بـ"الدراعة". ويتميّز العريس عن باقي أصدقائه بـ"دراعته" البيضاء وشاله الأسود، ويتوسط الموكب الذي يتقدم بهدوء نحو الغرفة التي تتواجد فيها العروس وصديقاتها. يزف العروسان إلى الصالة على وقع أغنيات تقليدية تعرف بـ"الترواح".

ترتدي النساء أزياء تقليدية زاهية الألوان، وتشارك غالبيتهن في أداء رقصات تنسجم مع الأغنيات والطبل الأفريقي الكبير. بعدها، يقول الفنان الشعبي أبياتاً شعرية تمتدح قبيلتي العروسين، قبل تقديم "نقطة العرس"، وهي عبارة عن أموال تمنح للفنانين الشعبيين. بعد انتهاء الحفل، يغادر العروسان بهدوء يسبق العاصفة. وخلال تبديلها ملابسها، تعمد صديقات العروس إلى إخفائها عن العريس، ويحرصن على رسم خطة محكمة لتحقيق هذا الهدف، فيما يسعى أصدقاء العريس إلى كشف الخطة ومنع فرار العروس. وإذا ما تحقق الأمر، يغادر العريس مع عروسه بسلام إلى بيت الزوجية. وفي حال نجحت صديقات العروس في إخفائها، على العريس الانتظار إلى اليوم التالي للقائها.

لا سابقة ولا لاحقة

تقول عائشة بنت أحمد طالب (33 عاماً)، وهي ربة بيت، إن اللباس الأسود وإخفاء العروس عادتان أصيلتان يلتزم الجميع بهما في البلاد، عدا عن الطقوس الاحتفالية. تضيف: "يحتفل الموريتانيون بأعراسهم وفق العادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين، في كل ما يتعلق بزينة العروس وطريقة الاحتفال بالإضافة إلى الطقوس التي ترافق كل خطوة ومرحلة من العرس".
وتشير إلى أن أكثر ما تعتز به في العرس الموريتاني هو الشرط الذي تفرضه العروس على زوجها بعدم الزواج من أخرى، لافتة إلى أن غالبية عقود الزواج تتضمن عبارة "لا سابقة ولا لاحقة"، وهو شرط يلغي كل زواج سابق ويمنع أي زواج لاحق. تقول لـ"العربي الجديد"، إن زينة العروس الموريتانية مميزة جداً، "بعد الحمام المغربي، تنتقل العروس إلى صالون خاص لتزيين يديها ورجليها بـ الحناء، ووضع باروكة مزينة بالعقيق والضفائر الأفريقية على رأسها. أما قريبات العروس، فيتولين بدورهن إلباسها حلياً من الذهب والفضة، من دون نسيان البخور والعطور، لتبدو العروس في أبهى حلّة".

وإذا كانت طقوس الأعراس تختلف في غالبية البلدان بين منطقة وأخرى، فإن عادات الأعراس الموريتانية تكاد تكون واحدة بين جميع المناطق. في هذا السياق، يقول أحد منظمي الأعراس، أحمد ولد بمبا، إن "الموريتانيّين يحرصون على تنظيم حفل الزفاف وفق العادات القديمة، فيما يحرص آخرون على المزج بين التقاليد والحداثة. على سبيل المثال، قد ينظم ثنائي عرساً في البادية مع جلب كل ما يحتاجون إليه من المدينة". يشير إلى أن تكاليف إقامة العرس الموريتاني تكاد تكون في متناول غالبية المواطنين في حال التزمت العائلة بدعوة عدد محدود من الناس، وابتعدت عن المغالاة والتباهي. وإذا لم تفعل ذلك، قد تكون تكاليف العرس باهظة.

المساهمون