"جكاير اللف"... عراقيون يعودون إلى أصول التبغ

09 اغسطس 2019
ازداد الإقبال على التبغ غير الموضب (العربي الجديد)
+ الخط -

السجائر لا غنى عنها في العراق، فهي ترتبط بهموم المواطن الكثيرة جداً، لكنّ الانتقال من السجائر التجارية باتجاه سجائر اللف القديمة، ينبئ بهموم أكبر، ترتبط بالفقر خصوصاً

أكثر من ساعة يومياً، تمضي حسنة جودي، في تحضير السجائر، بينما تجلس إلى طاولة تضع عليها جميع المستلزمات الخاصة بهذه المهمة، التي تخلص إلى إعداد أكثر من مائتي سيجارة. هي تعد هذه السجائر لها ولأبنائها الثلاثة وللضيوف أيضاً: فـ"جكاير اللف" كما يطلق عليها في العراق (بالكاف الفارسية)، توفر مالاً أكثر بالنسبة للمدخنين الفقراء.

هي في العادة لا تختلف عن الشائع في الدول الأخرى، فورق السجائر والتبغ والعلب الفضية تكون جاهزة، ومع قليل من الخبرة وبأقل من دقيقة تكون هناك سيجارة جاهزة لكن بلا فلتر. وبمعدل عام، فإنّ سعر مائة سيجارة منها يعادل علبة واحدة من المستورد (20 سيجارة)، لكنّها أيضاً أكثر خطورة على الصحة بسبب عدم احتوائها فلتر، كما أنّ نسبة التبغ تكون مركزة فيها، وأكثر كثافة في الاستنشاق.

ورث إجادة إعداد "جكاير اللف" من جده (العربي الجديد)


حسنة تقول لـ"العربي الجديد" إنّها لم تكن تدخن السجائر حتى بلوغها الخامسة والخمسين، وذلك في عام 2004، إذ قُتل ولدها ببشاعة من قبل مسلحين مجهولين، فقد وقعت في تلك الفترة جرائم عديدة بسبب الانفلات الأمني إثر غزو البلاد وغياب القوى الأمنية التي توفر الأمن للناس. وجدت حسنة إثر صدمتها النفسية من جراء مقتل ولدها، متنفساً في تدخين السجائر، وباتت رابع مدخن في أسرتها بالإضافة إلى أولادها الثلاثة، الذين كان أصغرهم طالباً جامعياً، ومن يكبرانه بأعوام قليلة عاطلين من العمل، لا سيما أنّ حال البلاد غير المستقرة في تلك الفترة أغلقت أغلب مراكز العمل، وتسببت في جمود العديد من المهن.



حسنة وأولادها استمروا في تدخين السجائر رخيصة الثمن، قليلة الجودة، حتى مع عمل أبنائها، فرواتبهم لا تفي بجميع متطلبات أسرهم بعدما تزوج الثلاثة، وأصبحوا يعيشون في دارها المكونة من أربع غرف. تعلق: "نعيش حياتنا بالكفاف. نقتصد إلى أبعد حد. ومنذ أكثر من أربعة أعوام اعتمدنا تدخين جكاير اللف؛ فهي رخيصة الثمن".

في العراق، حتى ثمانينيات القرن الماضي كان عدد من يدخنون هذه السجائر قليل نسبياً، وهم من كبار السن الذين اعتادوا تدخينها ولا يستسيغون السجائر التجارية. وكان لإعداد هذا النوع من السجائر طقس خاص عند بعضهم، وهي مهارة أيضاً، لذلك كان بعضهم يتفوق في إعداد هذه السجائر على غيره، من دون استخدام أيّ آلة حتى.

الفقر يدفع الناس إلى سجائر اللف (العربي الجديد) 


من بين هؤلاء رحمن السبع، بحسب رواية حفيده علي الذي يقول إنّه ورث إجادة إعداد "جكاير اللف" من جده. علي الذي يبلغ من العمر 52 عاماً، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه بدأ في عمر الثلاثين تدخين السجائر، وكان يدخن صنفاً معروفاً من السجائر الأجنبية، لكنّ ازدياد نفقات عائلته مع إصابته في فقرات ظهره التي تتطلب منه راحة مستمرة، أبعدته عن مزاولة أي عمل رديف لوظيفته الحكومية، يوفر له دخلاً إضافياً، ما أجبره على تدخين "جكاير اللف" منذ أكثر من ست سنوات. يضيف: "بتّ أستمتع كثيراً بإعدادها، إذ تذكرني بطفولتي حين كنت أجلس إلى جانب جدي وأستمتع برؤيته وهو يعدّ سجائره" مشيراً إلى أنّه يهيئ جميع الطقوس الخاصة التي كانت لجده في هذا المقام. يوضح: "أفرش بساطاً على الأرض، وأضع وسادتين إلى جانبي لجهة اليسار، وأتكئ عليهما وأضع أمامي على الأرض كيس التتن (التبغ) المصنوع من القماش البني، إلى جانبه علبة ورق السجائر، وإلى جانب الوسائد أضع جهاز التسجيل القديم وأشغل شريط كاسيت لأحد المطربين الشعبيين القدماء المعروفين بمطربي الريف، مثل داخل حسن، وحضيري أبو عزير". يستطرد: "ومع الغناء الريفي الذي ينطلق من جهاز التسجيل القديم، أبدأ بإعداد السجائر. أتناول ورقة لف تكون خفيفة ورقيقة، وأضعها بين إصبعي الوسطى والسبابة في كف يدي اليسرى، وباستخدام إبهام وسبابة كف يدي اليمنى أتناول كمية من التبغ وأضعه وسط الورقة وأوزعه باستخدام إبهام كف يدي اليسرى، بطريقة متساوية، ثم ألفّ الورقة وأرفعها إلى فمي وأبلل شريطها الجانبي بطرف لساني وأكمل لفّها لتظهر بشكل أسطواني، فكأنّها أعدت باستخدام الآلة".



بدوره، يقول نمير العرادي، الذي يبيع مختلف أنواع السجائر والتبغ، إنّ "جكاير اللف" من بين البضائع التي تساهم في زيادة مدخوله. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك أنواعاً رديئة من التبغ المنتشر في الأسواق تستخدم في جكاير اللف، فرخص ثمنها يجعلها مرغوبة من قبل المدخنين فقراء الحال". لكنّه يستغرب أنّ "من كان يدخن جكاير اللفّ في السابق قبل أكثر من ثلاثين عاماً هم كبار السن، لكنّهم اليوم من الشباب".