إيران تشجّع التبنّي بقانون جديد

11 مايو 2017
العائلة حقّ لكلّ إنسان (عطا كناري/ فرانس برس)
+ الخط -
لكلّ طفل الحقّ في منزل وعائلة. إيران من الدول التي تسعى إلى تأمين ذلك وتسهيله

لطالما أثارت مسألة التبنّي، لا سيّما تبنّي الأطفال مجهولي النسب، تساؤلات في المجتمعات المسلمة. وفي إيران التي تضع قوانينها معتمدة على الشرع، فإنّ السماح بالتبنّي من دون اختلاط الأنساب ليس مسألة جديدة. لكنّ القانون الذي أقرّ قبل أكثر من ثلاثة عقود يحتوي على ثغرات كثيرة، الأمر الذي جعل المعنيين يُدخلون بعض التعديلات. ومن شأن ذلك أن يفسح مجالاً أكبر بطريقة أو بأخرى لتبنّي مزيد من الأطفال وتقبّل المسألة في المجتمع.

وأعلنت مؤسسة الرعاية الاجتماعية في إيران أخيراً أنّ تعديلات عدّة أضيفت إلى صيغة قانون التبنّي، وأبرزها السماح للأزواج الذين أنجبوا سابقاً بتبنّي طفل وكذلك الأمر بالنسبة إلى النساء العازبات فوق سنّ الثلاثين، فيما كان الأمر متاحاً فقط للمتزوجين غير القادرين على الإنجاب. ويشمل القانون الجديد الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى السادسة عشرة، فيما كان يسمح في السابق بتبنّي من هم دون الثانية عشرة.

وفي تصريحات نقلتها وكالة فارس الإيرانية عن مدير الدائرة الاجتماعية في هذه المؤسسة الرسمية، حبيب الله مسعودي فريد، قال إنّ معدلات تبنّي الأطفال ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة 30 في المائة بالمقارنة مع السنوات السابقة، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 50 في المائة بعد إقرار هذه التعديلات، التي طرحتها المؤسسة ووافقت عليها السلطة القضائية قبل فترة.

أمّا عن الشروط، فيجب أن يتمتع الوالدان أو المرأة الراغبة في التبنّي بسمعة حسنة، وأن يثبت هؤلاء عدم تورّطهم بأيّ ملف قضائي. ويستطيع كل من يستوفي الشروط أن يتقدّم بطلب لمؤسسة الرعاية الاجتماعية التي تدرس الأمر خلال شهرين، ومن ثم يحدد القاضي المسؤول عن الملف مصير القضية. كذلك يحدّد بنفسه ما يجب منحه للطفل المتبنّى بحسب وضع العائلة، فالقانون القديم كان يفرض أن يمنحه الوالدان جزءاً من أملاكهما.

وعن سبب التعديلات بعد كلّ تلك السنوات، يقول مدير دائرة الأطفال والشباب في مؤسسة الرعاية الاجتماعية، محمد نفري، لـ"العربي الجديد" إنّ "القانون القديم جيّد، لكنّه كان يتطلب التحديث بسبب ثغرات أظهرتها حالات عملية". يضيف أنّ "القانون القديم كان يضم 17 مادة، أمّا الجديد فيحتوي على 37 مادة و17 توضيحاً، وهو ما يجعله أكثر دقة". ويوضح أنّه من هذه المسائل "التأمين الاجتماعي الذي يحقّ لكلّ إيراني الحصول عليه، من دون أن يكون واضحاً ما إذا كان يحقّ للوالدَين أن يمنحاه لابنهما المتبنّى. وقد شرح القانون الجديد المسألة حرفياً، مشدداً على وجوب التعامل مع هذا الطفل كأنّه ابنهما الحقيقي، فيحصل على التأمين والضمان الاجتماعي وتأمين التقاعد والتعويضات في حال وفاتهما".

ويلفت نفري إلى أنّ "القانون الجديد يفتح المجال أمام تبنّي الأطفال الذين يعانون من سوء معاملة والديهما الحقيقيّين، فيما كان القانون السابق يسمح بتبنّي الأيتام أو مجهولي النسب فحسب. والقانون في إيران يسمح بأن تتولى مؤسسة الرعاية الاجتماعية مسألة الإشراف مباشرة على من يعانون سوء المعاملة".

إلى ذلك، يقول نفري إنّ "الإيرانيين المقيمين في الخارج، باتوا قادرين كذلك على تبنّي طفل من خلال التقدّم بطلبهم عبر القنصليات والسفارات. أمّا الأولوية فتُعطى لمن ليس لديهم أطفال، سواء الإيرانيون المقيمون في الخارج أو في الداخل". ويشرح أنّ "المؤسسة تعمل على خفض عدد الأطفال الذين ليست لديهم عائلات تحميهم وتربيهم. بالتبنّي يكبرون في جوّ سليم ويُحارب كذلك انتشار أطفال الشوارع".

ويتوقع نفري "ارتفاع عدد الطلبات خلال الأشهر المقبلة نتيجة كل هذه التسهيلات. وقد عقد سبعة مؤتمرات في عدد من المناطق والمحافظات، الأمر الذي يعني نشر الوعي ومزيد من الإقبال وكذلك تقبّل المسألة مجتمعياً. ومن شأن ذلك أن يساهم في انسجام الطفل مع بيئته". ويكمل أنّ "القانون يفرض على العائلة الجديدة الحصول على استشارات شرعية واجتماعية تساعدهم وتساعد الطفل على تقبّل الأمر، لا سيّما إن لم يكن طفلاً صغيراً".

في السياق نفسه، لطالما كانت مسألة خلط الأنساب عائقاً في وجه التبنّي. وفي إيران، لا يمكن منح الطفل اسم عائلة والده بالتبنّي أو عائلة والدته إن كانت عزباء. وهو الأمر الذي يجعل كثيرين يتخوّفون من المسألة، لكنّها في الوقت ذاته تجعل الطفل يدرك أنّه ليس الابن الحقيقي. وهو ما يعني ضرورة التعامل مع الأمر بواقعية منذ الصغر.

وعن المشكلات، يقول المتخصص في الشؤون الاجتماعية، البروفسور حسين باهر، لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه المسائل تختلف بين عائلة وأخرى، وتتفاوت بحسب سنّ الطفل"، مؤكداً على أنّ "الأمر يحتاج إلى وعي وقدرة على التعامل معه. وهو ما يجب تدريب الوالدين عليه، لا سيّما أنّ الظاهرة ليست منتشرة كثيراً، الأمر الذي يجعل الطفل عرضة للمضايقات من قبل بعض من هم حوله".

ويشير إلى أنّ "عدداً كبيراً من مراجعيه الذين تبنّوا أطفالاً في السابق، واجهوا مشكلة التعريف عن هوية الفرد الجديد في عائلتهم، خصوصاً أنّه لن يحمل اسمها". يضيف باهر أنّ "المجتمع الإيراني لا يستغرب فكرة التبنّي بالمطلق. أمّا المشكلة فتكمن في طريقة التعرّف على كيفية تعامل الوالدين مع الطفل والتصرف معه بواقعية بما يحصنه إزاء المجتمع، وهذا يتطلب طريقة تعامل واعية وإجابات منطقية عن كل تساؤلاته". بالنسبة إلى باهر، "أطفال كثر يحتاجون إلى التبنّي، ومن شأن ذلك أن يحلّ مشكلات اجتماعية أخرى من قبيل التسوّل والإدمان. فلا ذنب لهؤلاء بما حمله لهم القدر".

تفيد بيانات مؤسسة الرعاية الاجتماعية بأنّ تسعة آلاف و800 طفل يعيشون في المراكز التابعة للمؤسسة، من الممكن تبنّي 40 في المائة منهم وفقاً للشروط القانونية. يُذكر أنّ 85 في المائة من هؤلاء لديهم والدان أو أقارب، إنّما غير قادرين على تربيتهم بسبب أمراض مستعصية أو لارتكابهم جرائم أو لأنّهم عرّضوهم لسوء معاملة. من جهة أخرى، كشفت تصريحات رسمية صادرة عن مسؤولين في المؤسسة، أنّ العائلات التي تتقدم بطلبات للتبنّي تفضّل بمعظمها الأطفال الرضّع.

دلالات