عن الدولجية العرب

05 يناير 2018
تلك الحرية لا تتوفر لهم (إيمانويل دونان/ فرانس برس)
+ الخط -
تظاهر الشعب الإيراني ضد الفساد والاستبداد والغلاء والبطالة، فبرز صوت "الدولجية" العرب ترويجاً لحريتهم في التظاهر، رغم أن التظاهر محظور في أغلب بلدان العرب. دعم الدولجية حق الشعب الإيراني في مواجهة نظام يحكمه بالحديد والنار، رغم أنه لا فارق بينه وبين أنظمة الحكم في بلدانهم.

تحوّلت دعوات الدولجية العرب الداعمة للتظاهرات إلى مثار للسخرية بسبب التناقض الظاهر في خطابهم الذي يطالب بحرية الرأي للإيرانيين، وكان مثاراً للأسى لأن تلك الحرية لا تتوفر لهم، إذ لا يملك أي منهم أن يعبر عن رأيه بحرية في النظام الذي يحكم بلاده.

"الدولجية" هم الأشخاص الذين يناصرون الأنظمة الحاكمة ظالمة أو مظلومة، بغضّ النظر عن قدرتها على إخراج البلاد من مشكلاتها، حتى وإن كانت الأنظمة نفسها هي المشكلة الأكبر، وهم الجموع التي تظهر فجأة لتهتف باسم الحاكم، خاصة في أوقات الأزمات، وعادة في حماية قوات النظام، والذين ظهروا منذ الأربعاء في إيران أيضا، حيث امتلأت بهم الشوارع رافعين شعارات مؤيدة للنظام في مواجهة من يطالبون بتغييره.

عرفت كل عصور التاريخ الدولجية، لكن المصطلح بات شائعاً في السنوات الأخيرة، معظمهم ينتمون إلى الطبقة الدنيا، وبعضهم من أبناء الطبقة المتوسطة، ويتميز "الدولجي" بأنه شخص محدود الثقافة، محدود الوعي، وربما محدود الذكاء، لكن قدرتهم على التجمع والهتاف والجدال غير محدودة.

تلازم غياب الوعي مع الفقر يجعل من توجيه هذه الفئة مهمة يسيرة على من يملك المال أو السلطة، وتلجأ الأنظمة الفاشلة أو الفاسدة أو القمعية إلى هؤلاء دوماً لإسباغ جماهيرية كاذبة على سياساتها، حيث تعتبر الأنظمة تلك الجماهيرية المصنوعة المدفوع ثمنها مسبقاً، نوعاً من الشرعية.

ينطلق "الدولجي" من قاعدة أن بقاء النظام أفضل من زواله، وأن الفقر مع الاستقرار، حتى لو كان مزعوما، أفضل من الفوضى المحتملة، وتغذّي أنظمة الحكم المستبدة تلك القاعدة بترويج شعارات تحذّر من مصير شعوب مجاورة.

يدافع "الدولجي" عن النظام بكل ما يملك، بعضهم يفعل ذلك لأن النظام يدفع له، وبالتالي فالأمر مصدر رزق، وفي مرحلة ما يدافع من دون مقابل، خشية أن يزول هذا النظام ويأتي نظام آخر يختار "دولجية" آخرين، فتضيع عليه امتيازات كان ينالها.

"الدولجي" الأخطر، ليس هذا الفقير غير الواعي، وإنما هو آخر ثري أو مرفّه، وبقدر خطورة محدودي الوعي على مستقبل الأمم، يظل خطر المثقفين والنخبويين والأثرياء "الدولجية" أكبر، لأنهم يؤثرون في قطاع عريض من المواطنين بتبريراتهم التي تحتاجها كل الأنظمة الفاشلة.

المساهمون