شكراً "سعادة السماء"

14 أكتوبر 2015
يحصلون على وجبة غداء كاملة هنا (عبد الرحمن عرابي)
+ الخط -

يكثر الطلب على طبق "الكبة بالصينية" في مطعم "سعادة السماء" في برج حمود، إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت ذات الأغلبية الأرمنية. لا يكاد قاصد المطعم يتسلم قطع الكبة المثلثة من على منصة تحضير الطعام، حتى يعيد الصحن فارغاً طلباً للمزيد. لا يقتصر الأمر على مجانية وجبات الغداء، فهي أيضاً لذيذة. هذا ما تعبّر عنه وجوه "الزبائن".

انطلقت فكرة هذا المطعم المجاني في بدايات العام الجاري، بمبادرة من مجموعة مواطنين لبنانيين لتقديم وجبة الغذاء مجاناً للمُحتاجين، "بغض النظر عن جنسيتهم أو ديانتهم أو طائفتهم"، بحسب ما تقول كارول بو صقر، وهي من المتطوعات في المشروع.

وهذا أمر واضح بالنسبة إلى قاصدي المطعم، الذين يجلسون جنباً إلى جنب حول ثلاث طاولات وضعت أمام المحل الصغير الذي حوّلوه مطعماً. هنا، تختلف اللغات التي يتحدث بها هؤلاء، وليس اللهجات فقط. على سبيل المثال، تسمع "شكراً" باللهجات السورية والعراقية واللبنانية، وباللغة الأرمنية أيضاً. العمّال العرب والأجانب واللاجئون والمحتاجون، جميعهم يقصدون المطعم يومياً للحصول على وجبة طعام كاملة في مقابل كلمة "شكراً" فقط.

قبل ظهر كل يوم، يتلقى المتطوعون كميات من الطعام التي تصلهم من مُتبرعين ومن مطاعم. وعند الواحدة من بعد الظهر، يبدأون بتقديم الوجبات. تبدأ رحلة الصحن اليومي بالسلطات التي يختار الزبائن بين صنفين منها، مروراً بالمقبّلات التي تشمل معجنات وحمص بطحينة ولبن، انتهاءً إلى الطبق الرئيسي الذي يتوفّر بصنفين أو أكثر. ولا يغادر الزبائن من دون بضع حبات من الفاكهة. إلى ذلك، خصصت طاولتان صغيرتان مزيّنتان، للأطفال المحتاجين الذين يحصلون على البسكويت أو الشوكولاتة.

وتشير بو صقر إلى أن "أحد الأشخاص الخيّرين تبرّع بالدكان الصغير في منطقة برج حمود الشعبية، لإقامة هذا المشروع". وتوضح أن مندوبي وزارة الصحة زاروا المكان عند افتتاحه للتحقق من توفّر الشروط الصحية فيه. وهذه كانت الالتفاتة الوحيدة من الدولة تجاه هذا المشروع القائم بشكل كامل على جهد المتبرعين والمتطوعين. وفي أثناء حديث الناشطة، يدخل جابي الكهرباء ليحصّل فاتورة الكهرباء. فينهمك المتطوعون في جمع المبلغ.

لا يظهر وجه سيتا كثيراً خلال النهار، بسبب انهماكها في غسل الصحون الزجاجية التي يُقدم فيها الطعام للمحتاجين. هي علمت بالمشروع من خلال تداول عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً عنه، فقررت التطوّع. لا تخفي المرأة العائدة من غربة طويلة في فرنسا، استغرابها وجود مشروع كهذا في لبنان، "يعزز الحس الاجتماعي لدى المواطنين تجاه بعضهم بعضاً وتجاه اللاجئين".

من جهة أخرى، اجتذب المشروع عدداً من الجيران للمساعدة. وهكذا، بات المعلم هاغوب يترك محله الملاصق للمطعم ويساعد في خدمة الزبائن. يقول: "أصلاً العمل قليل هذه الأيام، والشباب بحاجة إلى المساعدة". كذلك يحاول الشاب السوري محمد الملقب بـ "أبو عجقة"، المساعدة في خدمة هؤلاء وتوصيل الطعام إلى طاولاتهم. لكن فوضويته في العمل تجعل اهتمام المتطوعين الباقين به، يوازي اهتمامهم بالمحتاجين.

يضحك متطوّع آخر عندما يلاحظ نظرة التأنيب التي توجهها بو صقر لمحمد، بعدما أخطأ في طلبية أحد الزبائن. وهذا المتطوّع كان قد عاد إلى الحياة بعد رحلة طويلة مع المخدرات. هو تلقى العلاج في أحد المراكز الشقيقة لـ "سعادة السماء"، قبل أن يجمعه التطوع بنساء وشباب من مختلف الانتماءات. وبينما يضع الشاب لمساته على سلطة "الراهب"، يدور حديث مطوّل بين المتطوعين حول الأصناف المفضّلة بين الزبائن وطرق إعدادها المختلفة.

على الرغم من تباين آرائهم وخلفياتهم، إلا أن نظام العمل الدقيق يجمع هؤلاء المتطوعين في فريق ناجح يؤمّن الوجبات لعشرات المحتاجين يومياً، بين الواحدة والرابعة والنصف من بعد الظهر. وتعلّق تفاصيل المهام اليومية والأسبوعية على أحد الجدران، لتنظيم عمل نحو 40 متطوعاً يتناوبون على الحضور، "على أن يبدأ النهار وينتهي بالصلاة كي يباركه الله". هكذا تنعكس القيم الدينية السمحة التي يؤمن بها المتطوعون في تعاملهم مع المحتاجين. وتنظّمها بو صقر بتعليماتها الواضحة والمحددة لهم، طوال الوقت.

إلى ذلك، يقصد "سعادة السماء" متبرعون يعرضون تقديم المساعدة من مال أو مواد عينية أو ألبسة، يوزعها المتطوعون من خلال ناد اجتماعي خاص. ويتجاوز عدد العائلات المستفيدة من مشاريع النادي 1900 عائلة، بحسب بو صقر.

اقرأ أيضاً: نفايات لبنان.. محاولة إرساء خطّة لإدارة الكوارث