ثرثرة وتحليلات

20 أكتوبر 2017
لا شكّ في أنّ ثمّة آخرين (فيسبوك)
+ الخط -

كان تحت تأثير المخدّرات عندما ارتكب فعلته الشنيعة تلك. لا شكّ في أنّه كان تحت سطوة تلك السموم ولم يحتمل سؤال والده عن سبب تأخّره، فصوّب فجراً بندقيّة الصيد نحوه وأرداه قتيلاً. لا بدّ من أن يكون غير واعٍ لمّا فعل. مَن يقتل والده بدم بارد؟ ثمّ دعونا لا ننسى أنّ المخدّرات متاحة للجميع وفي كلّ مكان.

ليست المخدّرات السبب. والدته هي التي حرّضته. هي ادّعت أنّ ثمّة علاقة حميمة تجمع الوالد مع زوجة الناطور، فأراد الابن الثأر لشرفها. هذا غير صحيح. المغدور لم يخنها مع تلك المرأة، بل أراد الزواج من أخرى. ليست والدته التي حرّضته على ذلك، بل هو لم يعد يحتمل أن يرى تلك التي وهبته الحياة تُعنَّف وتُذَلّ فقرّر سلب ذلك الرجل - والده - حياته.

القضيّة أكثر بساطة. هو يعاني من اضطرابات نفسيّة اضطرته إلى ملازمة المنزل لشهور، قضاها في ممارسة ألعاب فيديو عنيفة تحمل رسائل إجراميّة. هكذا، نفّذ على أرض الواقع ما عاشه افتراضياً على مدى شهور. من الممكن أن يكون قد تماهى مع بطل من أبطال ألعاب الفيديو تلك. جميعنا يدرك حجم مخاطر تلك الألعاب على عقول أبنائنا. ثمّ دعونا لا ننسى أنّه في سنّ حرجة.. هو مراهق في الرابعة عشرة من عمره.

لا تنتهي عند هذا الحدّ الثرثرة ولا الفرضيّات التي يذهب طارحوها إلى تأكيد صحّتها. كيف لا يفعلون في حين أنّ "قريباً لي يعيش في المبنى نفسه" أو "صديقاً لي يقطن في الحيّ ولطالما سمع شجارات عائليّة في شقّة هؤلاء" أو "هذه حالة نموذجيّة لولد يتعرّض لعنف فيقرّر معالجة الأمر بنفسه". تكثر النظريّات والتكهّنات، وتذهب وسائل إعلام إلى أبعد من ذلك، إذ تستشير متخصّصين في علم النفس والعلوم الاجتماعيّة، في محاولة منها لمقاربة القضيّة "بطريقة علميّة محايدة" عبر الإضاءة على دوافع تلك الجريمة و"تحليل" وضع العائلة المكلومة قبل الفاجعة.

لمن فاتهم الخبر، فإنّ مراهقاً لبنانياً (ع. ي.) أطلق النار على والده، فجر الثلاثاء الماضي، في منطقة زقاق البلاط البيروتيّة، فصرعه قبل أن يستهدف ناطور المبنى وزوجته وأشخاصاً آخرين في الحيّ. حصيلة ضحايا الجريمة إلى حين كتابة هذه الأسطر، ثلاثة قتلى وأربعة جرحى. هذا ما تفيد به بيانات الجهات ذات الاختصاص، مُسقطة من حساباتها ضحايا آخرين. لا شكّ في أنّ ثمّة آخرين، ولعلّ أوّلهم المراهق الذي ضغط على زناد بندقيّة صيد أوتوماتيكيّة لم يحاول إخفاءها فجر ذلك اليوم المشؤوم. ولعلّ والدته هي الثانية على قائمة الضحايا غير المعلَن عنهم.. الضحايا غير المعترَف بهم.

في انتظار أن تكشف التحقيقات "ملابسات الجريمة"، قد تكون واحدة من تلك الفرضيّات صحيحة أو قد تكون أخرى لم يطرحها أيّ من "المحلّلين" حتى الآن أو قد تكون عناصر عدّة تضافرت لتركيب ذلك المشهد الدامي. هو مشهد دامٍ أنهك كثيرين.. حبّذا لو أشحنا النظر عنه وعنهم.


المساهمون