مراحل مضطربة

مراحل مضطربة

24 يناير 2017
قد تبدأ من أم كلثوم (مروان نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -
مواقع الفيديو والموسيقى بمقاطعها الطويلة والقصيرة حول شتّى المواضيع، مفيدة جداً ومهمّة لأيّ شخص حالياً. ففي محرك بحثها الداخلي قد يجد ما يرغب فيه، وتتيح له الوصول إلى ما يستأنس به. لكن، في حال لم يبحث كلّ مرة عن مقطع محدد بل ترك الانتقال تلقائياً من مقطع إلى آخر، كأن يضع السماعات وينشغل في مهام أخرى على جهازه، فإنّ ذلك الانتقال يأخذه إلى أماكن مختلفة جداً عمّا كان يبحث عنه في الأصل.

لنأخذ هذه الصورة: وصلت إلى عملك، وفي رأسك فكرة واحدة؛ أن تباشر روتينك المملّ بالترافق مع سماع أغنية ما. تشغّلها بالفعل، وقد تدندن في رأسك مع لحنها وكلماتها. لكنّ رتابة العمل تفرض نفسها عليك، وتمتلك روحك مع جسدك حتى لا تتمكن من الفكاك ولو لدقائق.

تعمل الأغنية ولا تعود تلتفت إلى وقفها أو الانتقال منها إلى غيرها، بحسب ذائقتك التي تجمّدت في هذه اللحظة تبعاً لعارض جانبي آخر من عوارض العمل. عندها، يتملّك الموقع نفسه المشهد ويسيطر على الساحة مثيراً ذلك التشويش على نظامك الصارم. أنت لا تسمع شيئاً في كلّ الأحوال، وقد تصبح الأغنية أو غيرها مجرد صوت إضافي في التلوث السمعي الكامل الذي يحاصرك من الشارع والمكتب والمكاتب الأخرى والماكينات المختلفة فيها. ربّما تنتبه لحظة إليه ثم تغفل في اللحظة نفسها عنه. وبالتالي، يجري دماغك ترحيلاً تلقائياً لتجدّد الانتباه في اتجاه محطة أخرى قد تكون بعد ساعة وربما ساعتين.

خلال هذا الوقت، ومرات انتقال المقاطع التلقائي، قد تستغرب أنّه انتقل مثلاً من أم كلثوم و"نومها المنسيّ" إلى فهد بلاّن و"موتوره الطيّارة" وبعدهما تظاهرة من ميدان التحرير في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ثمّ تظاهرة أخرى من نيويورك هذه المرة لحركة "احتلوا وول ستريت" في العام نفسه. بعدها مباشرة إلى مقتل زعيم ليبيا الراحل معمّر القذّافي، ثم من دون أيّ ربط إلى أغنية مايلي سايروس "ريكينغ بول" وبعدها "مجموعة نكت خليجية" و"حادث سير نجا السائق منه بأعجوبة" و"لن تصدق عينيك" و"أقوى مقلب في التاريخ" و"تاريخ الحرب الأهلية في لبنان" وصولاً إلى "أجمل تلاوة للشيخ عبد الرشيد الصوفي برواية ورش عن نافع" ثم من دون أيّ إنذار "ليلة الدخلة تصوير كامل لعروس من (بلد عربي)"... هنا قد يعود إليك انتباهك فتتدخل للخروج من الموقع... أو ربما لمشاهدة ذلك المقطع.

يمكنك تجربة ذلك بنفسك، خصوصاً عبر المواقع الأشهر في مقاطع الفيديو والموسيقى. انتقال تلقائي في إمكانك رصده وتسجيل ملاحظاتك عليه. حبّذا لو كان بإمكانك أن ترصد ما انتقلت خلاله في حياتك بغير إرادة منك، حتى لو كانت الخطوة الأولى لك. هل ستكون المراحل مضطربة وغير متجانسة إلى هذا الحدّ؟

المساهمون