عودة تونسيّة إلى برامج التنظيم العائلي

17 مايو 2016
تختلف نسبة استخدام موانع الحمل (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

منذ عام 2011، تشير دراسات وإحصاءات في تونس إلى ارتفاع عدد أفراد الأسرة وإقدام بعض الأزواج على إنجاب أكثر من طفلين، بالإضافة إلى انخفاض نسب اللجوء إلى وسائل منع الحمل بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية. أمر دفع بالديوان الوطني للأسرة والعمران البشري إلى العودة إلى برنامج التنظيم العائلي الذي انتهجته تونس قبل 50 عاماً، بهدف تنظيم تركيبة البلاد السكانية.

وكان برنامج التنظيم العائلي قد اتبع منذ عام 1966، بهدف تحقيق التوازن الديموغرافي للسكان، علماً أنّه كان يعمل تحت إشراف المجلس الأعلى للسكان، ويهتمّ بالنظر في التوجهات العامة للسياسة السكانية وإعداد الدراسات والتقارير التي تساعده على أداء مهامه، خصوصاً الجوانب المتعلقة بالآفاق والسياسات والاستراتيجيات السكانية، ومدى انعكاسها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى تقديم اقتراحات تتعلق بالمسائل المرتبطة بالسياسة السكانية. لكنّ المجلس الأعلى توقف عن العمل.

برامج قديمة

يشير مدير الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري رضا قطعة إلى أنّ "تونس سوف تعمل على الاستعانة بالبرامج القديمة للتنظيم العائلي، إذ إنّها كانت قد ساهمت في تحقيق نتائج هامة على صعيد تحديد التركيبة السكانية للبلاد". يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "تعليمات وُجّهت إلى جميع المندوبيات الجهوية للأسرة والعمران البشري، خصوصاً مراكز الصحة الإنجابية، للتركيز على برامج تنظيم الأسرة من جديد، وتفعيل خدمات تنظيم الأسرة مع التركيز على سبل استخدام وسائل منع الحمل الحديثة".

ويؤكّد قطعة على أنّ "ثمّة ارتباطاً كبيراً بين السياسة السكانية وبرامج التنمية في تونس، التي عانت على مدى عقود بسبب انتشار الفقر، في ظل ارتفاع عدد الولادات لتتألف العائلة الواحدة من سبعة أفراد، فضلاً عن الظروف الاجتماعية الصعبة والاحتياجات الاقتصادية. وهذه عوامل تستوجب تفعيل برامج تنظيم الأسرة، على أن يكون هناك بعض الوقت بين الولادات".

إلى ذلك، يوضح قطعة أنّ "دراسات أخيرة أثبتت وجود فوارق بين مختلف الأقاليم في البلاد، وذلك نتيجة اختلاف نسب استخدام موانع الحمل من منطقة إلى أخرى". يضيف أنّ "بحسب الديوان، لا تتجاوز النسبة في الوسط الغربي للبلاد 50 في المائة، فيما تقارب 70 في المائة في الشمال الشرقي. تجدر الإشارة إلى أنّ المعدل العام يبلغ 62 في المائة".



ويتابع قطعة أنّ نتائج البحث الميداني الذي أعدّته وزارة المرأة والأسرة والطفولة في 11 محافظة، بهدف تبيان أوضاع المرأة الريفية الاجتماعية والصحية، أكّدت وجود تفاوت بين الجهات للحصول على الخدمات العامة. ووفقاً لنحو 44 في المائة من النساء المستجوبات، فإنّ العائق الأساسي يتمثل في عدم توفّر خدمات صحية في مناطق داخلية عديدة. تجدر الإشارة إلى أنه في نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان عدد الولادات يُقدّر بـ 160 ألف ولادة، وقد ارتفع إلى 218 ألف ولادة في عام 2015.

أرقام متفاوتة

في السياق ذاته، يشدّد قطعة على "أهمية التركيز على الفوارق والتفاوت بين الجهات في برنامج التنظيم العائلي، وذلك من خلال سياسة سكانية واضحة، بهدف ضبط ارتفاع معدّل الولادات مع تركيز العمل في المناطق الداخلية للحدّ من الفوارق بينها وبين المناطق الأخرى، وتحديد الاحتياجات بدقة في المناطق الداخلية، بالإضافة إلى توفير خدمات صحية ناجعة، لا سيّما الخدمات المتنقلة. هكذا يكون النفاذ إلى الخدمات أفضل مع الاهتمام بتوعية الشباب".

ويلفت إلى أنّ "نتائج مهمّة كانت لبرنامج التنظيم العائلي، على صعيد تقليص وفيات الأمهات والأطفال وتراجع معدّل الإنجاب من سبعة أطفال إلى طفلين اثنين، من خلال تحسين مستوى الخدمات المقدّمة في المراكز الصحية الثابتة والمتنقلة، والعمل على تثقيف الشباب في ما يتعلق بالصحة الإنجابية والجنسية، والحدّ من الأمراض المنقولة جنسياً".

في هذا الإطار، وجد الديوان نفسه أمام تحديات عدّة، أهمها الحفاظ على استقرار النموّ الديموغرافي، خشية أن يصبح المجتمع هرماً. أما التحدي الثاني، فيتمثل في ضرورة العمل على تطوير القطاع الطبي والحدّ من عدد وفيات الأمهات، وصولاً إلى أقل من عشرين حالة من بين مائة ألف ولادة.

تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لآخر تعداد سكاني أعدّ في عام 2014، فقد بلغ عدد التونسيين نحو 11 مليون نسمة، علماً أنّ نسبة النمو الديموغرافي هي 1.03 في المائة، بينما كانت تقدّر بـ 2.48 في المائة في ثمانينيات القرن الماضي. كذلك، بلغت نسبة النساء 50.2 في المائة، والذكور 49.8 في المائة. وهذه هي المرّة الأولى التي تفوق فيها نسبة الإناث الذكور منذ عام 1966. وتعدّ نساء تونس الأكثر استخداماً لوسائل منع الحمل بالمقارنة مع الدول العربية والأفريقية، والأكثر إقبالاً على عمليات الإجهاض في المنطقة بمعدّل 35 ألف عملية إجهاض سنوياً، وفقاً لدراسة أعدّها ديوان الأسرة والعمران البشري.

وما يبدو واضحاً، أن تونس سوف تعمل جاهدة على تنظيم النموّ السكاني في البلاد، خصوصاً أنها مدركة للمخاطر التي قد تنجم من جرّاء عدم التدخل.

دلالات