حسيبة بن بوعلي... على نهج شهيدة الثورة التحريرية الجزائرية

20 ديسمبر 2019
صور الشهيدات رفعت في التظاهرات (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
في 15 سبتمبر/ أيلول 1957، كتبت المناضلة الجزائرية حسيبة بن بوعلي رسالة إلى والديها، قبل 23 يوماً من استشهادها بعد اكتشاف المكان الذي كانت تختبئ فيه رفقة مجموعة من مجاهدي الثورة التحريرية الجزائرية.

في هذه الرسالة قالت: "أرجو من كلّ قلبي أن أقاتل، فإن أخذنا الموت التقينا عند ربنا. وإن متّ فلا تبكوني، فسأموت سعيدة، أؤكد لكم ذلك". لم يخيّل لحسيبة حين انضمت، وهي بعمر سبعة عشر عاماً، إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية، أنّ اسمها سيُذكر على لسان كلّ جزائري بعد وفاتها على امتداد أجيال. ولم تكن تعلم أنّ فداءها الوطن سيمنحها الحياة، في بلد تحرر بعدما دفع ثمن ذلك 130 سنة من الاستعمار، ومليون ونصف مليون شهيد.

استشهدت حسيبة بن بوعلي، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1957، وهي في التاسعة عشرة، إذ كانت برفقة الشهداء محمد بوحميدي وعلي لابوانت وعمر الصغير، بعدما اكتشفت فرقة الجنرال جاك ماسو اختباءهم في البيت رقم 5 في أعالي حي القصبة العتيقة، إذ تم تفجير المنزل بقنبلة أودت بحياة الـ"الخاوة" الأربعة فضلاً عن 17 مواطناً جزائرياً في ذلك الحي.

"شارع حسيبة" يتوسط قلب العاصمة الجزائرية، والجميع يعرفه، فهو الأكثر استقبالاً للزائرين يومياً، بسبب قربه من مختلف المنشآت الحيوية؛ مثل "ساحة أول مايو" والمستشفى الجامعي "مصطفى باشا" كما يربط بين أكبر الشوارع في العاصمة، مثل "شارع العقيد لطفي" و"شارع الشهيد ديدوش مراد" وساحة "موريس أودان" وهو بذلك شارع أساسي وممر نحو محطات النقل سواء محطة "آغا" للقطارات أو محطة "تافورة" للحافلات، فضلاً عن ميناء الجزائر.

يقف رجل وابنته الصغيرة أمام لافتة تحمل اسم "الشهيدة حسيبة بن بوعلي" التي ولدت عام 1938. تتأمل الصغيرة في اللافتة بينما يحرص على أن يقدم إليها المعلومات الكافية حول "هذه البطلة".

التاريخ يحفظ للشهيدة تفاصيل صغيرة باتت اليوم معلقة في أماكن كثيرة، فهي ابنة مدينة الشلف (الأصنام سابقاً) 370 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة الجزائرية. تلقت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها، ثم انتقلت إلى العاصمة رفقة عائلتها سنة 1948، وواصلت تعليمها في ثانوية "عمر راسم" وانضمت إلى صفوف الكشافة الجزائرية وهي في عمر 12 عاماً، ثم انضمت إلى صفوف الثورة التحريرية وعمرها 17 عاماً كمساعدة اجتماعية، ليجري إلحاقها بفوج الفدائيين المكلفين بصنع القنابل لاحقاً، إذ كانت ممرضة واستغلت عملها بمستشفى مصطفى باشا للحصول على مواد كيميائية تساعد في صنع المتفجرات. وكانت من بين المفجرين لمعركة الجزائر بالتحاقها بصفوف الثوار بمنطقة القصبة العتيقة، إذ غادرت بيت عائلتها وعمرها 18 عاماً، بعدما صعّبت عليها الشرطة الفرنسية بقاءها بين أحضان الأسرة.
جدارية حسيبة بن بوعلي (العربي الجديد)


حسيبة "لا بانجمين" أي الشهيدة الصغيرة كما تلقّب، إذ عدت أصغر شهيدة تسقط في ميدان الشرف، بعد نسف البيت الذي لجأت إليه رفقة الثوار، وهو ما جعل اليوم صورتها ترفع في كل مكان، فيحتذي بجسارتها وقوتها وتحملها من أجل قضية الوطن، كلّ من تحركوا ضد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وقد رُفعت صورها مع شعار "حسيبة لا بانجمين".

في مسقط رأسها حكايات كثيرة عن هذه الفتاة الشهيدة، فهناك تمثال لها في ساحة المدينة، تظهر فيه وهي تحمل في يدها اليمنى الراية الوطنية، وفي يدها اليسرى حقيبة المدرسة. ويحتفي سكان الشلف برموزهم التاريخية ولا سيما حسيبة، برسم جداريات لهم في الشوارع "حتى لا ينسى الجزائريون شهداءهم" بحسب ابن المدينة، محمد كوار، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ حسيبة رمز من رموز المقاومة الجزائرية، وهو رمز ما زال ينبض بالروح ما دامت حسيبة مثالاً تقتدي به الأجيال بمرور السنين.
لافتات وصور حسيبة بن بوعلي (العربي الجديد)


أما نساء الولاية فيعتبرن حسيبة عنواناً للصمود الأنثوي إلى جانب الرجل، في فترة عصيبة مرت بها الجزائر، وعنواناً للتعلم في زمن كان التعليم فيه غير متاح لفئات واسعة من الجزائريين، بسبب الفقر، فقد صممت على إكمال تعليمها بالعاصمة الجزائرية وأصبحت ممرضة، ثم اختارت الانضمام إلى صفوف الثورة التحريرية تاركة وراءها عائلتها وأحبابها من أجل قضية تحرير الوطن.


كذلك، يفتخر طلاب جامعة الشلف بأنّ جامعتهم تحمل اسم الشهيدة حسيبة بن بوعلي، وهي عادة رسمية جزائرية في مختلف الولايات، أن تطلِق الحكومة أسماء الشهداء على مختلف الجامعات والمباني الرسمية، علاوة على الشوارع والأماكن والساحات تخليداً لتضحياتهم. يقول الطالب في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة "حسيبة بن بوعلي الشلف" نذير بوالطمين لـ" العربي الجديد" إنّ هذه الأسماء "تتيح استمرار النهج الوحدوي للجزائريين". من جهتها، تقول حليمة، ابنة عمة الشهيدة حسيبة بن بوعلي لـ"العربي الجديد" إنّ هذا البلد سُقي بدماء الشهداء، الذين دفعوا أرواحهم لتتحرر الجزائر، ولا يطلبون سوى الرحمة وجعله روضة من رياض الجنة في الأرض.
المساهمون