مصيبة

مصيبة

22 سبتمبر 2018
فيضانات في الهند... مصيبة (سانجاي كانوجيا/ فرانس برس)
+ الخط -

وصفُ أحداثٍ يوميّة بـ "المصائب" قد يكون مبالغاً. عنوان كلّ حدثٍ سبّب ألماً لشخص أو أكثر هو الحياة. هذه هي الحياة، كناية عن كلّ شيء. كما يُقال إن المصيبة ضرورية لتقدير اللحظات الجميلة.

لدى البحث عمّا قيل عن المصيبة، نجد ما قاله جبران خليل جبران: "ذكر المصيبة يُدنيها مثلما يُقرِّب الموت الخوف من الموت"، وما قاله أبو العتاهية: "ستمضي مع الأيام كل مصيبة وتحدث أحداث تنسي المصائبا"، والمتنبي: "أظمتني الدنيا فلما جئتها مستسقياً مطرت علي مصائبا".

ويقول مثل إنكليزي: "المصائب نادراً ما تأتي فرادى"، ومثل روسي: "الطريق نحو المصيبة قصيرة"، ومثل فارسي: "في بيت النملة تصبح قطرة الماء طوفاناً"، ومثل إيطالي: "المصيبة تجر أخرى"، ومثل بولوني: "عندما تطرق المصيبة الباب، يكون الأصدقاء نياماً"، ومثل دنماركي: "عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغني تكون قد اجتازت رقبة الفقير".

والمصيبة هي "كلُّ مَكروهٍ يَحُلُّ بالإِنسان". وحجم المكروه أو المصيبة أو الألم يتعلّق بنا نحن.. نحن فقط. ولو رأينا مئات المصائب من حولنا، علّ مصيبتنا تهون علينا، لن يتغيّر شيء. المصيبة، ما إن يدخل عليها ضمير متصّل هو الـ "نا"، تصير كبيرة. المصائب كلّها كبيرة إذاً، لكنّها تصغر، مثل ثلج الشتاء الذي يذوب تدريجياً. وترانا نمارس جميعاً الرياضة للتخفيف من المصيبة، أو اليوغا، أو الزومبا، أو الرقص، أو التأمل، أو نلجأ إلى التخييم في الطبيعة. نبتعد عنها قليلاً قبل أن نعود إليها مرغمين. وهي على حالها، ما زالت مصيبة تقتل حواسنا يوماً بعد آخر.

تقتلها بذلك الخبث، وببطء، وكأنّها عرفت حيلنا للتعايش معها. لكنّ المصيبة تبقى مصيبة، وتدخل في كل تفاصيلنا. وتصل إلينا مثل كابوس، من دون أي إنذار. وفي وضح النهار، نصرخ من قساوتها، لكنّها تحرمنا من نوم هادئٍ مرة أخرى. وما إن نقصّ مصيبتنا على آخرين، حتى نبدو وكأننا نتبادل المصيبة. "لديك واحدة؟ هاك... هناك الكثير".




آه، ثمّ إن المصيبة تجمعنا. كأنّنا نجلس على الأرض والسجائر من حولها. سجائر ومصائب ثمّ ضحك. أليس "شرّ البليّة ما يُضحك"؟

وإذا فاتتنا مصيبة في النهار ستأتي على شكل كابوس في الليل، ثمّ نلجأ إلى كوب المياه الذي يُصادف أنّه موجود على الطاولة الخشبية على مقربة منا. والعلاقة بين الكابوس والمياه قوية، تناولتها الأفلام ونحن في ليالينا. ونهدأ، ثم نقول: "اللهم قنا شرّ ضحكاتنا". لا بدّ أن مصيبة تستعدّ لتطرق بابنا. ولا يهم هنا حكمة أو مثل بأي لغة. فالقادم مصيبة.

المساهمون