عربات البيض.. ميادين تونس توفر ملاذاً للشباب المتعطل

21 مايو 2015
انتشار عربات البيض في العاصمة تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

في حدود السادسة صبيحة كل يوم، يجرّ الشاب الثلاثيني، حسن، عربته الخشبية من منزله إلى أحد الميادين المشغولة بالمواطنين ولاسيما تلك الأكثر قربا من المصالح الإدارية والمصارف في العاصمة تونس.

ويضع حسن عربته الخشبية ذات الطابقين تحت ظل شجرة وارفة تحميه من تقلبات المناخ على مدار السنة ثم يفتح المظلة الشمسية الكبيرة ليحمي سلعه من أشعة الشمس ويرتب أدواته في انتظار قدوم أول الزبائن.

ويقول حسن، الذي تجاوز أواخر العقد الثالث من عمره: إنه نزح من محافظته في الشمال

الغربي إلى العاصمة بعد حصوله على شهادة الباكالوريا منذ قرابة العشر سنوات لكي يلتحق بكلية الإعلام.

ويروي صاحب عربة البيض المسلوق لـ "العربي الجديد" تجربته مع الحياة بنوع من المرارة وقد خطّ الزمن على وجهه تجاعيد زادت في سنوات عمره الحقيقية سنوات وسنوات. يقول: "منذ انتقلت إلى العاصمة قبل عشر سنوات للدراسة عوّلت على نفسي لأن الوضع المادي لعائلتي لم يكن يسمح لها بأن تتكفل مصاريف دراستي بالمعهد العالي للإعلامية، فاخترت أن أسلك طريق الحياة بمفردي أتنقل بين كليّتي ومقهى كنت أعمل فيه كنادل خارج أوقات الدراسة، إلى أن تحصلت على الإجازة".

يستأذن قليلا ليستقبل أحد زبائنه بوجه بشوش، يخرج رغيف الخبز من صندوق" كرتوني" ملفوف بقطعة قماش رمادية ويشقه بسرعة عجيبة ثم يضيف إليه مكونات سندويتش المسلوق أو ما يعرف في تونس بـ"المروّب"، يواصل تقشير البيض والحديث مع زبونه حول الاستعدادات لشهر رمضان الذي سيحيله على البطالة القسرية.

اقرأ أيضاً: صندوق قطري يوفر 5 آلاف وظيفة في تونس

يعود حسن لمواصلة الحديث عن رحلته مع الحياة قائلا: "بعد التخرج من الكلية كنت آمل أن أحصل على عمل يتناسب مع مؤهلاتي العلمية، كنت أخرج يوميا حاملا ملف الشهادات العلمية وأتنقل بين المؤسسات العمومية والشركات الخاصة علّني أحصل على وظيفة تنتشلني وعائلتي من الفقر وتوفر لي دخلا محترما".

في الأثناء يعود إلى استقبال زبائن جدد، يبدو أنهم أوفياء لسندويتشات المسلوق، كان مظهرهم يدل على أنهم من موظفي المؤسسات والوزارات القريبة من المكان الذي توجد به العربة.

يقدم لكل زبون مطلبه ثم يحصي بسرعة حصيلة الساعات الأولى من العمل، ويتابع قائلا: "الحمد الله"، قبل أن يستطرد حديثه عن رحلة البحث عن العمل التي طالت لسنوات عجز خلالها عن توفير أبسط متطلبات حياته وتنقل أثناءها بين العمل في المطاعم وحظائر البناء والعمل الموسمي في جني الزيتون إلى أن جاءت فكرة عربة المسلوق.

يقول حسن "كنت زبونا وفيا لدى باعة عربات البيض المسلوق لأنها الأقل كلفة مقارنة بباقي الأكلات الجاهزة، إضافة إلى أنها أكلة متوازنة تمنح الجسم حاجياته من الزلاليات، وبحكم ترددي على هذه الأماكن أدركت أن مردوديتها المالية محترمة، انطلقت مباشرة في بعث هذا المشروع بعد ان قطعت الأمل نهائيا في الحصول على وظيفة ...".

وتنتشر عربات المسلوق بشكل كبير في العاصمة تونس قرب محطات النقل ومحيط المؤسسات الكبرى، كما يعمل أصحاب العربات حتى ساعات متأخرة من الليل حيث يقدمون الوجبات لأصحاب سيارات الأجرة وحتى رواد الحانات.

وحسن مثال لآلاف الشباب العاطلين من العمل في تونس ممن تضطرهم الظروف إلى البحث عن حلول تنتشلهم من البطالة حيث تقدر نسبة العاطلين من أصحاب الشهادات الجامعية بـ14.8% من جملة 572 ألف فاقد للعمل في تونس، كما ترتفع نسبة البطالة المطولة (أكثر من سنتين) إلى أكثر من 36% في صفوف خريجي الجامعات.

يتابع الشاب، في حديثه بعد أن أعاد ترتيب أدواته على متن العربة وحفظ بقايا البيض في سلة المهملات "أحيانا أنسى أني خريج جامعة، حتى مهاراتي في مجال الإعلام كدت أفقدها ولم يعد يشدني إلى العالم الرقمي إلا حسابي على شبكة التواصل الاجتماعي الذي أرتاده من حين إلى آخر للاطلاع على مستجدات الأخبار في تونس وفي العالم حتى لا أنسى أني أنتمي إلى طبقة المثقفين"، يقولها بمرارة ويمضي في خدمة زبون جديد.

وحول عائداته اليومية من عربة المسلوق، يجيب حسن بتحفظ "مردود العربة غير منتظم لكنه يكفيني وعائلتي الصغيرة، فهو يراوح يوميا بين 40 و50 دينارا (بين 22 و26 دولاراً) وقد يبلغ 70 دينارا (36 دولاراً) وهو دخل محترم بالنسبة لي خصوصاً أن زوجتي تساعدني على صنع أرغفة الخبز في البيت وأنا أحاول أن أطور هذا المشروع وأفتح محلا عصريا لبيع الأكلات الجاهزة، بفضل ما كسبته من زبائن أوفياء على مدار السنوات الماضية، لكن حلم الوظيفة يبقى قائما لأن والدي لا يعلم إلى حد الآن أني أشتغل على عربة البيض المسلوق.


اقرأ أيضاً: أسوأ نمو للاقتصاد التونسي منذ 3 أعوام

المساهمون