من رحم موازنة مصرية مأزومة تعاني من عجز مالي حاد قد يتجاوز 400 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي 2017-2018، تخرج المليارات للإنفاق على معارك انتخابية معروفة نتائجها سلفاً، مثل تلك المعركة الرئاسية التي يتوقع إجراؤها في شهر مارس/ آذار المقبل.
ومن رحم موازنة فرض واضعوها أقسى أنواع التقشف على المواطن وشهدت خفضا لدعم سلع رئيسية، مثل البنزين والسولار والمياه والغاز وغيرها، تخرج مئات الملايين من الجنيهات في صورة مزايا مالية ومكافآت نظير الإشراف القضائي على انتخابات من المتوقع أن تكون هادئة وخالية من منافسين حقيقيين.
وطالما أنها ستكون انتخابات صورية وشكلية، كما يتوقع الكثيرون، في ظل عدم وجود مرشحين أقوياء لمنافسة السيسي بعد انسحاب أحمد شفيق من سباق الانتخابات، لماذا لا تلغيها الحكومة المصرية وتوفر 1.2 مليار جنيه (ما يعادل 68 مليون دولار)، خصصتها وزارة المالية بالفعل من الموازنة العامة للدولة، لتغطية تكاليف الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهو المبلغ الذي يفوق مخصصات الانتخابات البرلمانية السابقة.
وطالما أنها ستكون انتخابات شبه محسومة لمرشح واحد، كما يتوقع الكثيرون أيضاً، فلماذا لا توفر الحكومة 1200 مليون جنيه سيتم تخصيصها كمكآفات للقضاة والمستشارين المكلفين بالإشراف على الدوائر الانتخابية في ربوع البلاد، وتجهيز المقار الانتخابية، وتوفير الأدوات اللازمة لإتمام عملية الاقتراع من حبر فسفوري وصناديق زجاجية وأقلام وورق وستائر وغيرها، إضافة لتوفير التأمين اللازم للعملية الانتخابية سواء داخل اللجان أو خارجها؟
ولماذا لا توفر الحكومة ما يعادل هذا المبلغ الضخم في حال إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية وعدم حصول أي مرشح على نسبة 50% من أصوات الناخبين في اقتراع الجولة الأولى، أو حتى في حال مد موعد الاقتراع للجولة الأولى ليوم ثالث كما جرى في الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في العام 2014؟
قد يسارع البعض ويقول إن هذا الطرح لا يجوز في بلد ديمقراطي يؤمن بالانتخابات كوسيلة للتعبير عن رأي الشعوب واختيار من يمثلهم سواء في الرئاسة أو البرلمان أو النقابات المهنية والجامعات، وحتى في المجالس المحلية والبلديات.
لكن الرد على ذلك بسيط وهو أنه طالما أن نتيجة الانتخابات الرئاسية معروفة سلفاً، ولن تكون هناك منافسة حقيقية، فلمَ كل هذا الهدر المالي في بلد يعاني من عجز كبير في الموازنة العامة للدولة، ويشهد زيادات متواصلة في الأسعار.
لماذا لا نوفر كل هذه المليارات للخزانة العامة للدولة التي تغذيها الحكومة بإجراءات تقشفية عنيفة عصفت بالدخول المحدودة لملايين الأسر، وبزيادات مستمرة في الضرائب، ورفع متواصل لأسعار الوقود والكهرباء والمياه والمترو والقطارات والرسوم الحكومية والجمارك وغيرها؟
أليس الاقتصاد الوطني والمواطن الفقير ومتوسط الدخل أحق بهذه المليارات التي سيتم إنفاقها على معركة انتخابية معروفة نتائجها سلفاً؟ ألا يساهم هذا المبلغ في خفض الدين العام الحكومي، وبالتالي خفض عجز الموازنة العامة، وبالتالي تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين؟
ألا يكفي هذا المبلغ الضخم الذي يتجاوز الملياري جنيه، في حال إجراء جولة إعادة للانتخابات الرئاسية، لبناء مئات المدارس والمستشفيات، وإعالة ملايين الأسر الفقيرة والمحرومة، وإقامة عشرات المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، واستصلاح عشرات الآلاف من الأفدنة للزراعة، وتشييد آلاف الوحدات السكنية، وبالتالي المساهمة في حل أزمات السكن والبطالة والفقر خاصة للطبقات الفقيرة، وزيادة الناتج القومي؟
أنا هنا أتحدث عن تكاليف مباشرة تتحملها الخزانة العامة للدولة حال إجراء الانتخابات الرئاسية، ولا أتحدث عن تكاليف غير مباشرة يتحملها المواطن والاقتصاد مثل غياب ملايين المصريين المشاركين في الاقتراع عن مقار عملهم في يوم الانتخابات، وتعطل العمل في المصالح الحكومية والمدارس وغيرها خاصة الأماكن التي يتم اختيارها كمقار للاقتراع.
ثم ما هو مصير الانتخابات المتنوعة التي جرت في مصر خلال السنوات الست الماضية ما بين رئاسية وبرلمانية واستفتاءات، والتي كلفت البلاد 7.2 مليارات جنيه (414 مليون دولار)؟
لو كنت في موقع صانع القرار لألغيت الانتخابات المقبلة، فالموازنة العامة في حاجة للمليارت التي سيتم إنفاقها على عرس ديمقراطي يتوقع كثيرون أن يكون مزيفاً.
فضوها "سيرة"، ووفروا المليارات وأعلنوا فوز الرئيس القادم بالتزكية.