وتتسم هذه الاستراتيجيات بمزيد من الجرأة، حيث تسلّط الضوء على نشاط المملكة وترتبط بصورة أوثق بخططها للتنمية الاقتصادية.
وبالصفقة التي أعلنت أول من أمس الأربعاء، أصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودي لاعباً في سوق المشاريع التكنولوجية الناشئة في تحول عن تركيز الرياض في ما مضى على الاستثمارات الأجنبية المحافظة التي لا تنطوي على مجازفة كبيرة.
كما ستصبح الرياض، بموجب الصفقة نفسها، أحد المساهمين في شركة يمكن أن تساعد في إنقاذ المملكة من هبوط أسعار النفط عبر تنويع الاقتصاد وتوفير فرص عمل للمواطنين. وفي بلد لا يسمح للنساء بقيادة السيارات، تقبل النساء في السعودية على استخدام سيارات "أوبر" في تنقلاتهن.
وأشار المدير في صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، إلى هذه الأهداف، في بيان بشأن الصفقة، قائلاً إن الصندوق لا يهدف إلى تحقيق أرباح فحسب، وإنما أيضا دعم خطة شاملة لإصلاح الاقتصاد أعلنت في أبريل/ نيسان الماضي.
وأضاف أن الخطة تركز على فتح قطاعات استراتيجية مثل السياحة والترفيه وزيادة فرص العمل ومشاركة النساء في القوة العاملة وتشجيع ريادة الأعمال.
وطوال عقود، كانت السعودية مستثمراً يحتاشى الأضواء في الأسواق العالمية، مستخدمة البنك المركزي باعتباره الصندوق السيادي الرئيسي. وحولت معظم ثروتها النفطية إلى أصول مثل سندات الخزانة الأميركية والحسابات المصرفية بدلاً من شراء حصص استراتيجية كبيرة في كبرى الشركات الغربية مثلما فعلت صناديق ثروة سيادية أخرى مثل جهاز قطر للاستثمار.
لكن هذا الوضع يتغيّر الآن في ظل هبوط أسعار النفط، والذي يثقل كاهل الرياض بعجز سنوي في الميزانية الحكومية يقترب من نحو 100 مليار دولار، وهو ما يضطرها إلى البحث عن سبل لتحقيق عوائد أكبر على أصولها وتطوير القطاعات غير النفطية من الاقتصاد.
في أبريل/ نيسان الماضي، تحدث ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن صندوق الاستثمارات العامة بوصفه جزءاً أساسياً من هذا المسعى. وقال إن الصندوق سيتوسع من 600 مليار ريال (160 مليار دولار) إلى أكثر من سبعة تريليونات ريال، وهو ما سيساعد في تحويل الرياض إلى قوة استثمارية عالمية.
وقال مستشار لصناديق استثمار سيادية في الخليج، طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مصرح له بالحديث إلى وسائل الإعلام، إن الصفقة مع "أوبر" تعطي مؤشراً على بدء هذه العملية.
وأضاف: "ربما تكون هذه صفقة لإظهار وجودهم أكثر من كونها صفقة جيدة من الناحية المالية.. باكورة تتصدّر عناوين الصحف".
وذكرت "أوبر" أن استثمار صندوق الاستثمارات العامة السعودي يأتي في إطار جولة تمويلية بدأتها في الآونة الأخيرة، وتصل بقيمة الشركة إلى 62.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن السعودية حصلت على حصة تبلغ نحو 5%.
إلا أن الاتفاق قد يطمئن الأسواق العالمية، إذ يشير إلى أن السعودية ما زالت من الثراء بحيث تستثمر مبالغ كبيرة من المال حين تسنح الفرصة، رغم لجوئها إلى السحب من احتياطياتها المالية لتغطية عجز ميزانيتها.
تعمل شركة "أوبر" في السوق السعودية منذ أوائل عام 2014، ولم تعلن عن اتفاق محدد لتوسيع نشاطها في المملكة بعد إبرام الصفقة الجديدة. لكن الرميان سيشغل مقعدا في مجلس إدارة "أوبر"، وهو ما سيمنح الحكومة السعودية دوراً مباشراً في قرارات الشركة.
وقد يساعد الاتفاق، بالتالي، في إزالة أي عقبات قانونية تواجهها "أوبر" في السعودية. وفي وقت سابق من هذا العام، نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن متحدث باسم إدارة الطرق والنقل في مكة قوله إن سيارات الأجرة الأجنبية التي تستخدم تطبيقات الهواتف الذكية غير قانونية، لأنها لم تحصل على تراخيص من وزارة النقل.
وتعهدت أوبر باستثمار 250 مليون دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي حققت فيها نمواً كبيراً.
وتعمل "أوبر" الآن في تسع دول و15 مدينة بالمنطقة. لكن مثلما يحدث في مناطق أخرى بما في ذلك الصين والهند، تتنافس أوبر في الشرق الأوسط مع شركات ناشئة مثل "كريم" التي تعمل في 20 مدينة في مختلف أنحاء المنطقة.
وفي الربع الأول من هذا العام، كان لدى "أوبر" ما يربو على 395 ألف عميل نشط في المنطقة في قفزة تبلغ خمسة أضعاف مقارنة بالربع الأول في 2015، ولدى الشركة 19 ألف سائق عامل بزيادة أربعة أضعاف مقارنة بنفس الفترة.
وتقول الشركة إن نحو 80% من عملاء أوبر البالغ عددهم أكثر من 130 ألفاً في السعودية من النساء. وبدأت "أوبر" العمل في المملكة في أوائل 2014.