يظل تحدي عجز قطاع الصناعة في مصر قائمًا، طالما أن البلاد لا تملك تكنولوجيا صناعة خطوط الإنتاج وإقامة المصانع، ومنذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 يزاحم الجيش، عبر منافذ كثيرة، مجتمع الأعمال في أنشطة اقتصادية مدنية.
وكنا نتوقع أن يتفرد الجيش عبر المشاركة في هذه الأنشطة، عن القطاع الخاص بإنتاج تكنولوجيا حديثة، أو بإقامة المصانع من خلال تكنولوجيا وإمكانيات محلية.
ورغم أن تقريرا صادرا عن مجلس الشورى المصري، في منتصف التسعينيات قد أشار إلى أن غياب تكنولوجيا الإنتاج يعد أهم نقاط عجز الصناعة، إلا أن أحدا لم يلتفت للأمر، ولم تتبن أي حكومة منذ التاريخ استراتيجية تمكن الصناعة من تحقيق الهدف، وتخرجها من إطار التبعية للخارج، إلى رحابة الاستقلال التكنولوجي.
لكن ما أعلن على لسان محمد العصار وزير الإنتاج الحربي السابق حول توقيع عقود نهائية مع الجانب الصيني لإنشاء مجمع صناعي متكامل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية خلال شهرين، يجعلنا لا نستبشر خيرًا بمستقبل الصناعة، ولا بوجود الجيش في أعمال الاقتصاد المدني.
ويزداد التخوف مع تأكيد العصار أن المجموعة الصينية (GCL) ستبدأ تنفيذ أعمال المجمع عقب توقيع العقود، وأن استثمارات المشروع مليارا دولار، وأن التمويل سيتم عبر بنوك صينية، أي أن مصر لا تمتلك التكنولوجيا ولا رأس المال، فما هي القيمة المضافة التي سيحققها المشروع، هل المأمول أن نضيف ورشة تجميع جديدة إلى الورش التي بدأت في مصر منذ منتصف القرن العشرين، بل إن الصناعات التي أقيمت قبل الخمسينيات وكان فيها ميزة نسبية مثل صناعة النسيج تراجعت، وأصبحت عبئاً على الاقتصاد، بدليل أنها أكبر مستفيد من دعم الصادرات.
إن قيام GCL بتنفيد المشروع، هو إتاحة فرص عمل للصينيين على حسب المصريين خلال فترة الإنشاء وحتى تسليم المفتاح، حيث لا تسمح الشركات الصينية بتشغيل مصريين، ويتم استقدام العمالة الخاصة بمشروعاتها من الصين، وذلك في الوقت الذي يقبع فيه 3.5 ملايين عاطل في البلاد.
وبلا شك لن تكون أعمال إقامة هذا المجمع الصناعي قاصرة على الإنشاءات والمباني، إنما سيكون بشكل رئيس قائمًا على توفير خطوط إنتاج صينية، وهو ما يضمن بعد ذلك تعامل مستمر للمصانع الصينية من خلال أعمال الصيانة وقطع الغيار، وكذلك قيام بنوك الصين بتمويل المشروع عبر قرض، وهذا له أعباء متمثلة في سعر الفائدة. وكنا ننتظر على الأقل أن تقوم وزارة الإنتاج الحربي بواحدة من العنصرين الرئيسيين للمشروع إما الإنشاء أو التمويل.
إن قيام الصين بهذين المكونين، الإنشاء والتمويل، يرفع من تكلفة المنتج النهائي، ويحمل ميزان المدفوعات المصري ما كنا نسطيع توفيره، سواء من خلال توظيف مراكز البحوث والجامعات في تصميم خطوط الإنتاج وتنفيذها محليًا، أو قيام البنوك بتمويل المجمع الصناعي، أو الاستفادة من الأموال المتراكمة باحتياطي النقد الأجنبي، التي تم تكوينها من الديون، وعلى الأقل في هذه الحالة، سيكون هناك مردود للاستدانة، وسداد أعبائها من خلال عوائد مشروع حقيقي.
تُرى ما الشيء الصعب أمام الشركات المصرية لتنفيذ مشروع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية؟ وما الميزة التي تضاف للاقتصاد من تفرد وزارة الإنتاج الحربي وسيطرتها على مقدرات الاقتصاد والوزارات، ليكون المشروع نوعًا من الممارسة الاحتكارية للوزارة.
تراجع صناعي
ثمة عدة مؤشرات تدل على تراجع النشاط الصناعي في الاقتصاد المصري، فإذا نظرنا إلى هيكل الواردات السلعية، تبين لنا تراجع مساهمة الصناعة بشكل واضح.
فتقرير البنك المركزي المصري لعام 2016/2017، يبين أن قيمة الواردات السلعية بلغت 45.9 مليار دولار، منها 34.3% سلعا وسيطة، و27.5% سلعا استهلاكية، و19.2% سلعا استثمارية، بينما واردات المواد الخام 13.5%.
ومن هنا نجد أن هرم الواردات السلعية مقلوب، فالمفترض أنه في حالة وجود قطاع صناعي قوي، أن تكون واردات المواد الخام هي الأعلى، بينما تتراجع واردات باقي المكونات من سلع وسيطة أو استهلاكية أو استثمارية.
لذلك نجد القيمة الضافة للقطاع الصناعي محدودة الأثر، حيث يشير تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي لعام 2016/2017، الذي تصدره وزارة التخطيط والمتابعة بمصر، إلى أن معدل نمو قطاع الصناعات التحويلية بلغ 2.7%، وهو معدل نمو متدن، إذا ما قارناه مثلًا بمعدل قطاع الاتصالات البالغ 12.5%.
والمخيف في النسب، أنها متزايدة في قطاع مهم وهو السلع الاستهلاكية، حيث كانت الإحصاءات تشير من قبل إلى نسب أقل بنحو من 20% - 22%، بينما وصلت عام 2016/2017 إلى 27.5%، وذلك في ظل ما تدعيه الحكومة من ترشيد الواردات، وتراجع قيمة الواردات السلعية من 60 مليارا إلى 45.9 مليار دولار.
تكنولوجيا غائبة
الطاقة من القضايا الاستراتيجية والمهمة، خاصة في ظل الأرقام المعلنة حول معدلات نمو 8% التي تستهدف الحكومة تحقيقها خلال سنوات، والحديث عن إنشاء مجمع صناعي لألواح الطاقة الشمسية هو صورة مجتزئة عن استهداف زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في مصر، خاصة أن مصدر هذه الطاقة وهو الشمس متوفر وعلى مدار العام، خاصة في جنوب البلاد.
لكن تبقى قضية تخزين هذه الطاقة للاستفادة بها في ساعات الليل، وكذلك إمكانية توظيفها حسب قدرة المرافق على الاستهلاك، حتى تكون متاحة بالكميات المطلوبة طوال الوقت، فهل سيكون ضمن رؤية الحكومة في ظل الانقلاب العسكري البعد عن الإقدام على إنشاء مجمع لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية.
سيكون من المفيد أن تخبرنا الحكومة عن خطتها في إنتاج تكنولوجيا الطاقة الشمسية، ومساهمة المراكز البحثية والجامعات في المشروع، ليس هذا فحسب، بل وجود دور لمراكز البحوث والجامعات في التعامل مع التكنولوجيا المستوردة، وكيفية استيعابها وتطويرها، ثم إنتاجها مستقبلًا، حتى لا تكون هناك تبعية تكنولوجية طويلة الأمد من مصر للصين، في مجال حيوي، يمكن لمصر من خلاله أن تحقق متطلباتها من الطاقة بإمكانيات أفضل، وبتكلفة أقل.
إن اتباع سياسة إحلال محل الواردات تظل عبثية، إذا ما غاب عنها توطين التكنولوجيا، فليست مهمة القائمين على أمر الصناعة، القيام بعمليات إحلال لخطوط الإنتاج عن طريق الاستيراد كل فترة زمنية معينة، وإن التوجه الصناعي الصحيح، أن تكون هناك علاقة وثيقة بين الجامعات ومراكز البحوث والصناعة، ليتم تطويها عبر إمكانيات وموارد محلية، لينقضي أمر الاعتماد على الخارج.