تونس تتجنب رفع أسعار الوقود لامتصاص غضب الشارع: ضغوط انتخابية

16 يوليو 2019
مظاهرة سابقة تطالب باستغلال ثروات النفط (الأناضول)
+ الخط -
منعت المخاوف من انفجار اجتماعي وخطة التحوّط الطاقي التي بدأت تونس في تنفيذها منذ 6 شهور، من زيادة جديدة في أسعار الوقود كان يفترض أن تنفذ بداية شهر يوليو/تموز الجاري، وفقاً لحزمة التعديل الآلي التي تعتمدها الحكومة منذ أكثر من عامين.
وحسب مراقبين، فإن حكومة يوسف الشاهد تسعى إلى تجنب صدور أي قرارات "استفزازية" للمستثمرين والمواطنين، قبل خوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة، في أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وتوقع مصدر مسؤول أن تحافظ أسعار الوقود على استقرارها إلى نهاية العام الحالي. وقال المسؤول، لـ"العربي الجديد"، إن الاحتياطي من الطاقة الذي تم تأمينه من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي في إطار الخطة الحكومية للحفاظ على سلامة الموازنة العامة، مكّن من تجنب ثغرات في المالية العمومية كان يفترض ترميمها عبر التعديل الدوري في سعر البنزين.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن التزام المؤسسات المالية الدولية بصرف شرائح القروض لتونس في آجالها، وزيادة الإيرادات الضريبية، ساعد في الإبقاء على أسعار الوقود عند مستوياتها الحالية.

وكان التونسيون ينتظرون أن تعلن الحكومة، مع نهاية الربع الثاني من السنة الجارية، زيادة جديدة في أسعار المواد النفطية، غير أن الحكومة فندت كل التوقعات، محافظة على الأسعار التي تم إقرارها في آخر تعديل، نهاية مارس/آذار الماضي.
وحسب حزمة التعديل الدوري التي تم الاتفاق بشأنها مع صندوق النقد الدولي، تعدل الحكومة أسعار الوقود بمعدل 4 مرات في السنة، وفق أسعار السوق العالمية.

وبدأت تونس، في نهاية العام الماضي، تنفيذ أول عملية تحوّط عبر الموافقة على تدخّل صندوق النقد الدولي في عملية تغطية مخاطر متمثلة في حماية ميزانية الدولة من ارتفاع أسعار النفط وتأثيرها المباشر على كلفة الدعم.
وحسب بيانات رسمية، أتاحت عملية التحوّط المنجزة، تغطية حوالي ثلث إجمالي واردات تونس السنوية من النفط لمدة 12 شهرا، لتشمل 8 ملايين برميل، ما يمثل 30 بالمائة من الواردات الصافية لتونس من النفط الخام، بقيمة 65 دولاراً للبرميل.

ويمثل توفير احتياطات نفطية من الآليات الجديدة رهانا حكوميا للحد من تداعيات واردات الطاقة على الموازنة، كما تمنع هذه الخطة غضب القطاعات الاقتصادية (صناعة وزراعة وخدمات) من ارتفاع كلفة الطاقة وتأثيرها على القدرة التنافسية للمؤسسات والاقتصاد المحلي، حسب مراقبين.
وفي نهاية مارس/آذار الماضي، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنحو أربعة في المائة، في أول زيادة هذا العام. وبررت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، الزيادة آنذاك، بالارتفاع المتواصل لأسعار النفط ومشتقاته العالمية، ليصل خام برنت إلى نحو 69 دولاراً للبرميل آنذاك.

ويرى الخبير المالي صادق جبنون، أن أسبابا مختلفة منعت الحكومة من المجازفة بزيادة أسعار المحروقات، من بينها النتائج المتحققة من عملية التحوّط.
وأضاف الخبير المالي، لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة تتجنب أيضا انفجار الوضع الاجتماعي الذي قد يخلفه ارتفاع جديد في الأسعار، لافتا إلى أن الزيادة لها كلفة كبيرة على المؤسسات الاقتصادية التي باتت عاجزة عن دفع فواتير الكهرباء، وهو ما قد يضطرها إلى تسريح العمال أو الغلق.

وقال جبنون إن حكومة الشاهد، التي تنوي خوض غمار الانتخابات القادمة في أكتوبر/تشرين الأول، ستتجنب، خلال الفترة المتبقية من فترة عهدتها، أي قرارات "استفزازية" للمتعاملين الاقتصاديين وعموم التونسيين.
وبيّن الخبير الاقتصادي أن كل احتقان في الوضع الاجتماعي لا يخدم المصالح السياسية للأحزاب الحاكمة، وهو ما يفسر قرار إرجاء الزيادة في سعر المواد النفطية إلى حين، بحسب تأكيده.

في نفس السياق، يرى الخبير الاقتصادي محمد المنصف الشريف أن أهدافا انتخابية وراء قرار الحكومة تجميد الزيادات التي قد تسبب غضبا شعبيا أو تزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي.
وقال الشريف إن خطة الاحتياطي الطاقي التي نفّذتها الحكومة مجدية إلى حد ما، لكن قرار تأجيل الزيادات سياسي بامتياز، وفق حديثه لـ"العربي الجديد".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن حكومة الشاهد لن تجازف باتخاذ قرار "غير شعبي" قبل فترة قليلة من المعركة الانتخابية، مشيرا إلى أن الحكومة ستتجنب، فيما تبقى من العهدة الحالية، كل القرارات التي تؤثر على حظوظها.

واعتبر الشريف أن الزيادة في المحروقات ستؤثر على كل القطاعات الاقتصادية، وستزيد من حالة الغضب في صفوف المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين، لافتا إلى أن هذه الشريحة مهمة جدا بالنسبة للأحزاب السياسية التي تحتاج أموال رجال الأعمال لتمويل حملاتها الانتخابية، ما يجعل طلب رضاها أمرا مفروضا، بحسب قوله.
ومقابل الامتناع عن زيادة أسعار المحروقات، أعلنت شركة الكهرباء الحكومية، مؤخرا، عن زيادة في تعريفة الكهرباء والغاز الطبيعي تم تطبيقها منذ بداية يونيو/حزيران الماضي، لتزيد من أعباء التونسيين وضغوطاتهم المعيشية.
وكشفت التعريفات التي نشرتها الشركة على موقعها الرسمي عن زيادة في أسعار الكهرباء والغاز المنزلي تتراوح بين 12% و15% تشمل مختلف الشرائح من دون استثناء، بما في ذلك الطبقات الضعيفة التي تم استثناؤها في الزيادات الماضية، وهي الشريحة المصنفة لدى الشركة بـ"أصحاب الجهد المنخفض".
ويتضمن قانون المالية (الموازنة العامة للدولة) الذي صادق عليه البرلمان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعديلاً لأسعار الطاقة ثلاث مرات خلال العام الجاري.

وبلغ سعر لتر البنزين الخالي من الرصاص 2065 مليماً (0.68 دولار)، ولتر غازوال العادي (السولار) 1570 مليماً (الدينار التونسي يحوي ألف مليم).
وتظهر الأرقام الرسمية أن الحكومة رفعت أسعار الوقود بنحو 24 في المائة، منذ إبرام اتفاق مع صندوق النقد في 2016، لتنفيذ برنامج اقتصادي يتضمن تقليص الدعم وترشيد الإنفاق، مقابل قرض بقيمة 2.98 مليار دولار يصرف على أربع سنوات.

وكان صندوق النقد الدولي أعلن، في تقرير له بداية مايو/أيار الماضي، عقب انتهاء مهمة المراجعة الخامسة في تونس، أنه توصل، خلال زيارته، إلى تفاهمات متبادلة بشأن معظم القضايا، داعياً تونس إلى التخلص التدريجي من دعم الطاقة، وحماية الأسر الضعيفة، وتجميد كتلة الأجور.
وأثناء زيارة لخبراء صندوق النقد الدولي، أقرت الحكومة زيادة في أسعار الوقود بنسبة 6 في المائة، هي الخامسة من نوعها منذ عام 2018.


المساهمون