السعودية تحاصر احتكار الأراضي البيضاء

26 مايو 2015
هدوء حذر في سوق العقارات السعودية وسط موجة هبوط(Getty)
+ الخط -
تراجعت أسعار العقارات في السعودية خلال الشهرين الماضيين بنسب متفاوتة، حصرتها تقارير رسمية وغير رسمية بين 15 إلى 30%، نتيجة إقرار رسوم على الأراضي البيضاء، وهي أراض بناء غير مستغلة، مع توقعات باستمرار هذا الهبوط جراء ارتفاع المعروض من الأراضي أمام قلة في الطلب.
ويتوقع متخصصون في قطاع العقارات السعودي، أن يسهم هذا الانخفاض في حال استمراره بشكل كبير في حل أزمة السكن التي تعاني منها المملكة، في ظل واقع يوحي بأن نحو 78% من السعوديين لا يمتلكون مساكن خاصة بهم، ويعيشون في شقق مستأجرة، في حين يمتلك 22% فقط منهم منازل خاصة.

قرارات مُحفزة

ويعزز من توقعات المراقبين باستمرار هبوط العقارات، إقرار وزارة الإسكان، لأربعة قرارات تصب في الاتجاه هي السماح بتعدد الأدوار، وتعدد الوحدات السكنية على الأرض الواحدة، وتصغير مسطح البناء وتمديد مهلة السنة الممنوحة للاستفادة من القرض العقاري.
ويشدد عقاريون واقتصاديون على أن هذه القرارات سحبت أسعار الأراضي والعقارات في السعودية لمستويات منخفضة.
وذكر تقرير حديث لشركة الجزيرة كابيتال (الذراع الاستثماري لمصرف الجزيرة)، أن مؤشر قطاع التطوير العقاري تراجع بنسبة 9.04% منذ الإعلان الرسمي عن فرض الضرائب على الأراضي البيضاء، في أواخر مارس/آذار الماضي، على الرغم من أن تلك الشركات حققت أرباحا منذ بداية العام بنسبة 31%.
وتوقع التقرير، أن تمر سوق العقارات بحالة تباطؤ وعدم وضوح النظرة المستقبلية، وهو ما سيؤدي إلى ضعف جاذبيته أمام الاستثمارات، كما ستشهد قطاعات المساكن تراجعاً في أسعارها منتصف 2015 ويستمر هذا الانخفاض على المدى البعيد.
وشدد التقرير على أن سوق العقارات السعودية تأثرت بشكلٍ كبير بالإصلاحات التنظيمية، وخاصة فرض الرسوم على الأراضي البيضاء.

لغز الأراضي البيضاء

وبحسب تقارير غير رسمية، تعود ملكية معظم الأراضي البيضاء في السعودية لرجال أعمال وشركات وأفراد أثرياء يحتفظون بها دون تطوير، ربما للرغبة في ارتفاع أسعارها لاحقا أو لصعوبة تطويرها سريعا، في ظل تعقيدات روتينية وتحمل تكلفة تزويدها بالخدمات والبنية الأساسية.
ويقوم أغلب ملاك الأراضي بطرح أجزاء منها للبيع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، وهي سياسة قفزت بأسعار الأراضي من 100 ريال (26.6 دولارا) للمتر قبل نحو عشر سنوات لأكثر من 2000 ريال (543 دولارا) للمتر في المدن الرئيسية حاليا.
وقال رئيس اللجنة العقارية ورئيس غرفة الإحساء خالد الصالح، في مقابلة بالهاتف لـ "العربي الجديد": "سبق قرار فرض الرسوم على الأراضي تطبيق نظام الرهن العقاري، واستعانة وزارة الإسكان بالمطورين العقاريين، وهي أمور ساعدت على تحسن الأسعار بالنسبة للمشترين، بعد أن وصلت الأسعار لمستويات لا يمكن تحملها".
وتوقع الصالح، أن يساهم القرار بعد تطبيقه في ضخ مساحات كبيرة من الأراضي في سوق العقار؛ مما سينعكس على السوق بشكل إيجابي، ويؤدي للمزيد من خفض الأسعار.

تراجع كبير

وتوضح بيانات وزارة العدل الرسمية أن عمليات بيع وشراء العقارات السكنية في المدن الرئيسية انخفض خلال فترة الأشهر الثلاثة الماضية بأكثر من 33.5% عن الفترة المماثلة من 2014، كما رافق ذلك تراجع في القيمة الإجمالية للمعاملات العقارية بنحو 38% عن الربع المماثل من 2014، وبنسبة 24% عن الربع السابق، كما انخفض متوسط سعر المتر في الرياض بنحو 27%، وفي جدة بنحو 25%، وفي الدمام بنحو 20% وذلك مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

هدوء حذر

ومنذ إعلان وزارة الإسكان إقرار رسوم على الأراضي البيضاء، طغى الهدوء على سوق العقارات السعودية، خاصة في ظل عدم إعلان الوزارة عن مقدار الرسوم التي ستفرض على الأراضي غير المستغلة، والتي تشكل 70% من مساحات الأراضي في المدن الرئيسة.

وبينما توقع عضو مجلس الشورى نائب وزير الإسكان السابق المهندس عباس هادي، أن تتراوح رسوم الأراضي البيضاء بين 10-120 ريالاً للمتر المربع، حسب موقع الأرض داخل النطاق العمراني، توقع آخرون أن يتم فرض 150 ريالا على المتر المربع الواحد، مع منح ملاك تلك الأراضي مهلة لحل مشكلات أراضيهم بالبيع أو التطوير قبل البدء في تحصيل رسوم عليها.
ويرى الخبير العقاري عبد الله المغلوث أن فرض رسوم على الأراضي البيضاء سينهي احتكار الأراضي ذات المساحات الكبيرة داخل النطاق العمراني للمدن، مطالبا بتأسيس قاعدة بيانات مرتبطة بوزارة العدل عن تلك الأراضي لسهولة تطبيق الرسوم.
وقال لـ "العربي الجديد": "القرار سيسهم في خفض أسعار العقار بنسبة 50% خلال عامين على الأقل".
وأضاف، أن حجم الأراضي البيضاء المتوقع فرض رسوم عليها يتجاوز 4 مليارات متر مربع، وهي تشكل نسبا كبيرة جدا من المدن الرئيسية، فهي تمثل 65% في المنطقة الشرقية و60% في منطقة الرياض و70% في المنطقة الغربية.
وقال: "هذه الأراضي الضخمة لو طرحت للبيع بأسعار معقولة فستحل أزمة السكن في السعودية سريعا".
ويشدد المغلوث على أن الرسوم ستجبر ملاك المساحات الواسعة إما على البيع أو التطوير أو بناء وحدات سكنية؛ وهي خيارات ستقلل من الفجوة الكبيرة التي سببها شُح المساكن.
وأضاف، أن هناك قروضا عقارية تنتظر أصحابها، لأنهم لا يجدون أراضي بأسعار معقولة ومتوافرة، ومع هبوط الأسعار سيكون هناك فرص لشرائها، والبناء عليها.
وفي الاتجاه نفسه، يؤكد عضو اللجنة العقارية بغرفة المدينة المنورة إياد بافقيه، أن قرار فرض الرسوم إضافة لهبوط أسعار النفط، مع قرارات مؤسسة النقد، كلها أمور ساهمت في ضعف الإقبال على الشراء، وارتفاع العرض.
وقال لـ "العربي الجديد": "إن هبوط أسعار النفط وجّه ضربة للمضاربين العقاريين، بعدما ارتفع العقار بنحو 500% منذ مطلع 2010 وحتى اليوم".
وينصح بافقيه، الباحثين عن شراء الأراضي بالتمهل لفترة مؤقتة، وعدم الانجذاب خلف التسهيلات المصرفية المعروضة أو المسوقين في مكاتب العقار والمنتديات، فالأسعار في طريقها للمزيد من الهبوط.
ومع أن رئيس شركة دار الأركان السعودية للتطوير العقاري، يوسف الشلاش، يستبعد أن يتسبب قرار فرض الرسوم في انخفاض حاد بأسعار الأراضي؛ لأن السوق استوعبت بالفعل تأثير القرار منذ شهور، إلا أن عقاريين يؤكدون أن نسبة الهبوط المتوقعة تتجاوز 15%، وتصل لأكثر من 30% في بعض المناطق.
المساهمون