"روسنفت" تلتف على العقوبات بشراء حصة في حقل مصري

12 ديسمبر 2016
روسيا تتجه إلى تواجد حقيقي في مصر (Getty)
+ الخط -

فور انتهاء شركة "روسنفت" الروسية من صفقة بيع حصة لقطر وشركة غلينيكور، اتجهت نحو مصر لتشتري 30% من حصة شركة "إيني" الإيطالية في "ظهر" أكبر حقل غاز في البحر المتوسط والذي تم اكتشافه العام الماضي في المياه الاقتصادية المصرية.

ويبدو أن روسيا تتجه لمزيد من التواجد في مجال الطاقة بالمنطقة العربية، عبر صفقة روسنفت الجديدة مع "إيني" والتي قدّرت قيمتها بنحو 2.8 مليار دولار، في خطوة رأى مراقبون أنها تهدف إلى الخروج من العزلة عن طريقة إقامة شراكات دولية مع بلدان لم تنضم إلى العقوبات بحق روسيا.
وقالت وكالة "تاس" الروسية، إن مجلس إدارة روسنفت وافق خلال اجتماعه في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري على شراء 30% من اتفاقية الامتياز لحقل "شروق" من "إيني"، مطور ومشغل الحقل المصري. إضافة إلى ذلك ستشتري الشركة الروسية حصة تبلغ 15% من أسهم الشركة المشغلة للحقل، وهي عبارة عن ائتلاف بين شركتي "أيوك"، فرع "إيني" في مصر، والمصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس".


وقالت إيني إن روسنفت ستسدد لها قيمة مساوية لاستثمارات نفذتها المجموعة الإيطالية يبلغ مجموعها نحو 450 مليون دولار في الوقت الحاضر. ولدى روسنفت أيضا خيار شراء حصة إضافية تبلغ 5% بنفس الشروط. واكتشفت إيني حقل ظُهر - أكبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط على الإطلاق - في امتياز "الشروق" في أغسطس/آب 2015.

التفاف على العقوبات
ويرى الشريك بشركة "روس إينرغي" للاستشارات، ميخائيل كروتيخين، أن قرار روسنفت الاستثمار في حقل ظهر التابع لامتياز "الشروق" لا يخلو من دوافع سياسية في ظل الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية.
ويقول كروتيخين لـ"العربي الجديد": "تخضع روسنفت لعقوبات غربية، ولذلك تسعى لإثبات قدرتها على إقامة شراكات دولية بعيدا عن الدول الغربية، ولذلك اتجهت إلى مصر، كما سبق لها أن استثمرت في الهند".
وأُسفرت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الهند في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن الإعلان عن شراء كونسورتيوم يضم روسنفت، 98% من أسهم شركة "إيسار أويل" الهندية التي تعتبر ثاني أكبر مصفاة في الهند تبلغ طاقتها الإنتاجية 20 مليون طن سنويا أو 9% من السوق المحلية. 
وحول استفادة روسنفت من استثماراتها في مصر، يضيف: "ستحصل الشركة على عوائد عن استثماراتها، وفي حال نصت الاتفاقية على تقاسم الإنتاج، سيمكنها ذلك من دخول أسواق جديدة في المتوسط".


ويتوقع كروتيخين أن تؤثر الصفقة إيجابا على العلاقات الروسية المصرية التي شهدت تراجعا كبيرا منذ حادثة تحطم الطائرة الروسية في سيناء قبل أكثر من عام، ووقف حركة الطيران بين البلدين، ويقول في هذا السياق: "هذه الصفقة رسالة قوية من قيادتي البلدين تؤكد عزمهما على الدفع بالعلاقات الاقتصادية رغم قضية الطائرة". 
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض، على خلفية الأزمة الأوكرانية في عام 2014، عقوبات اقتصادية على مجموعة من كبريات الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة، بما فيها روسنفت. وشملت هذه العقوبات منع الحصول على القروض وطرح سندات تزيد مدتها عن 30 يوما.

تعاون روسي قطري

وبعد أن وقعت روسنفت، الأسبوع الجاري، صفقة مع شركة "غلينكور" السويسرية لتجارة السلع الأولية وصندوق الثروة السيادي القطري، لشراء حصة تبلغ 19.5% في الشركة الروسية بقيمة 692 مليار روبل ( نحو 10.2 مليارات يورو)، ترى الشركة الروسية إمكانية التعاون مع قطر في مجال التجارة والخدمات اللوجستية في قطاع الغاز الطبيعي المسال، لا سيما في مشروع "ظهر" المصري.
وحسب وكالات الأنباء روسية، ذكر مصدر في روسنفت، أن الشركة مهتمة بالتعاون مع قطر في مشروع "ظهر" المصري.
ووفقا للمصدر فإن روسنفت مهتمة بالمشاريع التي ستدخل حيز التنفيذ خلال العامين المقبلين، مثل تطوير الحقل المصري الذي من المقرر تشغيله بداية العام المقبل.
وقال المدير التنفيذي لروسنفت، إيغور سيتشين، حول صفقة بيع حصة من الشركة في اجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي: "الصفقة ليست مجرد محفظة استثمارية، بل لها ميزات إضافية مثل إنشاء مشاريع مشتركة مع هذا الكونسورتيوم على أراضي الاتحاد الروسي، إضافة إلى المشاريع الدولية خارج روسيا".
ويعتبر قطاع الطاقة في روسيا أهم الأصول التجارية والركائز الاقتصادية لتحقيق الاستقرار الداخلي في البلاد، وزيادة حجم النفوذ في سياستها الخارجية. وفي الفترة بين عامي 2000 و2012، زاد اعتماد الحكومة على عائدات قطاع النفط والغاز من 47 إلى 50% من موازنة الدولة، ويعادل ذلك ما يقرب من 25% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.



انخفاض حصة إيني
وعقب إتمام هذه الصفقة مع الشركة الروسية، ستنخفض حصة "إيني" في حقل الغاز العملاق "ظهر"، الواقع ضمن امتياز "الشروق"، إلى 60%، والذي تقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز.


وكانت "إيني" قد أعلنت عن كشف "ظهر" بتاريخ 30 أغسطس/اَب 2015، ويعتبر الحقل من أكبر الاكتشافات، التي تحققت في مصر ومنطقة البحر المتوسط على الإطلاق.
وتعمل "إيني" في مصر منذ العام 1954، حيث تباشر عملياتها من خلال فرعها "أيوك" وتعد شريكا استراتيجيا لقطاع النفط المصري، إذ قامت باكتشاف أول حقل للغاز الطبيعي في مصر "أبو ماضي" في العام 1967، وبلغ إنتاج "إيني" من النفط في مصر خلال العام 2015 حوالى 200 ألف برميل من النفط المكافئ يوميا. ولكن جاء مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، في بداية العام الجاري بعد اختطافه وتعذيبه ليلقي بظلال سلبية على العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيطاليا، وفي الوقت الذي ربط فيه البعض تقليص "إيني" استثماراتها بسبب التوترات السياسية، أكد محللون أنه لا توجد أية علاقة بين مقتل ريجيني وبيع حصة من الشركة.

موسكو والقاهرة
وفي سياق تعزيز التعاون بين مصر وروسيا في مجال الطاقة، وصل الرئيس التنفيذي لشركة روسنفت، إيغور سيتشين، إلى العاصمة القاهرة، في زيارة تستغرق يوما واحدا يبحث خلالها مع المسؤولين المصريين دعم علاقات التعاون بين مصر وروسيا في مجالات النفط.
ونقلت وسائل إعلام مصرية عن مصادر مطلعة أن سيتشين قد يلتقي خلال زيارته بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
وحسب محللين، تأتي هذه الخطوة في إطار التقارب الاقتصادي الروسي المصري، ومساعي موسكو لتعزيز تواجدها بسوق الغاز في المنطقة.
وفي هذا السياق، قال الخبير فى العلاقات الدولية الاقتصادية، فخري الفقي، لـ"العربي الجديد" إن "شراء شركة روسية 30 % من حصة (إيني) في حقل (ظهر) بداية لسلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية التي سيتم الكشف عنها بين مصر وروسيا خلال الفترة المقبلة. 
وأضاف الفقي أن "الدب الروسي يسعى إلى تواجد حقيقي في مصر من خلال علاقات اقتصادية قوية تسمح لروسيا بالمرور إلى منطقة الشرق الأوسط من أقرب نقطة، وهي القاهرة". 
وتابع أن الفترة الحالية فرصة عظمى للدول لاقتناص مكانها في مصر وهي بوابه لأفريقيا وشرق آسيا فضلا عن السوق الكبيرة في منطقة الخليج. 
ومن جانبها، قالت أستاذة العلاقات الدولية والخبيرة في الشأن الروسي، نورهان الشيخ، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر وروسيا في مرحلة تقارب كبير منذ 2013 رغم تعكير صفو تلك العلاقة بعد حادثة الطائرة الروسية، إلا أن الأمور بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي". 
وأضافت أن مصلحة البلدين تتمثل في وجود تعاون بينهما خلال المرحلة المقبلة في وجه تحالفات أخرى تسعى إلى السيطرة على المنطقة. وأشارت إلى أن الميزان التجاري يميل أكثر لصالح روسيا لأننا الدولة المستوردة الأكبر للإنتاج الروسي.
وذكر تقرير لوزارة التجارة والصناعة المصرية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في عام 2012 نحو 3 مليارات و554 مليوناً و90 ألف دولار، وفي 2015 ارتفع إلى نحو 5 مليارات و88 مليوناً و820 ألف دولار.

 

المساهمون