تحاصر صحف تونس الورقية العديد من الأزمات المالية الخانقة الناجمة عن تراجع عائداتها من الإعلانات والمبيعات على مدى السنوات الأربع الماضية، وتعاني الصحف من ضغوط مالية كبيرة في ظل عزوف الشركات المعلنة التي تعاني من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ما جعلها تقلص اعتماداتها المخصصة للإعلانات في الصحف الورقية والتوجه للإعلام الإلكتروني والمرئي والمسموع.
وازداد وضع الصحف الورقية صعوبة بعد قرار الحكومة في سنة 2012 بعدم السماح للمؤسسات العمومية والوزارات بالقيام باشتراكات لدى الصحف العمومية أو الخاصة في إطار سياسة التقشف التي انتهجتها الدولة في تلك الفترة.
ويلقي الوضع الاقتصادي الصعب في تونس بظلاله على جميع المؤسسات الصحافية التي تجد
حرجاً في الإيفاء بتعهداتها تجاه العاملين فيها، وهو ما جعل جامعة مديري الصحف تمتنع عن توقيع اتفاق زيادة أجور الصحافيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية إلى جانب عجز هذه المؤسسات على دفع أقساط التغطية الاجتماعية للعاملين فيها وصرف المنح والحوافز السنوية.
ويصف رئيس جامعة مديري الصحف الطيب للزهار وضع الصحف التونسية بالكارثي، حسب تعبيره، مشيراً إلى أن العديد من الصحف التي برزت بعد الثورة التونسية منذ أربعة سنوات، اختفت من الأسواق وأن بقية الصحف الموجودة في السوق التونسية تكابد من أجل البقاء.
ويعتقد الزهار، وفق تصريحه لـ "العربي الجديد"، أن الوضع المادي للصحف التونسية مرتبط أساساً بتحسن الوضع الاقتصادي في البلاد وهو ما يشجع المستثمرين على تخصيص اعتمادات أكبر لإعلاناتهم.
وتعيش البلاد وضعاً اقتصادياً صعباً، إذ يرتفع معدل البطالة لدى حاملي الشهادات من الشباب إلى 31%، كما هوت الاستثمارات العام الماضي بنسبة 21% مقارنة بحجمها عام 2013، وزاد عجز الموازنة العامة مرتين ونصف المرة منذ عام 2010. وفقد الدينار التونسي الكثير من قيمته مقابل الدولار الأميركي، لينخفض من 1.35 في عام 2010 إلى 1.85 بنهاية عام 2014، حسب الإحصائيات الرسمية.
اقرأ أيضاً: صندوق قطري يوفر 5 آلاف وظيفة في تونس
وخلال السنوات الأربع الماضية، خسرت تونس أكثر من ثلثي الإنتاج السنوي من الفوسفات (أحد أهم مصادر العملة الصعبة)، حيث قدّر الخبراء تراجع الإنتاج التونسي بنحو 70%، ما حرم البلاد من عائدات تقدّر بنحو 6 مليارات دينار (3.2 مليارات دولار) وذلك بسبب تعطل آلة الإنتاج في وحدات الفوسفات لأشهر طويلة، نتيجة احتقان الوضع الاجتماعي في المحافظات المنتجة لهذه المادة.
ويشير رئيس جامعة مديري الصحف إلى أن وضعية الصحافة مرتبطة بتنظيم قطاعي الإعلانات العمومي والاشتراكات اللذين يمثلان روافد مالية هامة للإعلام المكتوب، ويخشى الزهار من تواصل العجز المالي للصحف المكتوبة أن تنتشر ما عبّر عنه بالصحف الصفراء
التي تعتمد على الأقلام المأجورة الممولة من رجال أعمال واللولبيات الاقتصادية لتصفية حساباتهم السياسية على حساب أخلاقيـات المهنة ما يهدد المجـال الإعلامي على حـد تعبيره.
ويشير عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين، زياد دبار، إلى أن الوضع المادي الصعب الذي تعشيه الصحف الورقية انعكس سلبا على وضعية العاملين فيها حيث لم يتحصل الصحافيون على أي زيادة في أجورهم منذ سنة 2011.
ويرفض العديد من الصحف حسب تصريح عضو النقابة لـ "العربي الجديد" تطبيق الاتفاقية
المشتركة المحددة لأجور الصحافيين الذين يتقاضون رواتب أقل مما يحدده القانون (500 دولار) بدعوى أن وضعيتها المادية لا تسمح أو أنها ستضطر إلى تسريح العاملين فيها.
ويقول زياد دبار إن الحكومة مطالبة بالإسراع في بعث وكالة تشرف على توزيع الإعلانات العمومية بين الصحف وتمكينها من الدعم المادي اللازم لضمان ديمومتها وتحسين ظروف العاملين فيها والقضاء على كل أشكال التشغيل الهش.
وتصاعدت الحركات الاحتجاجية العمالية خلال الشهور الماضية في تونس، كان معظمها يطالب بتحسين الأجور وحل مشكلة البطالة.
وحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، شهد شهر يناير/كانون الثاني الماضي، طفرة كبيرة للتحركات الاجتماعية الاحتجاجية، إذ بلغ عددها 708 تحركات، منها مظاهرات بقطاع النقل، والبطالة، والمطالبة بزيادة الأجور، وأوصى المنتدى الحكومة بالسعي لتخفيض الأسعار، وتطوير الخدمات خصوصاً في المناطق الداخلية، وتوفير فرص العمل.
وتشير دراسة أعدها الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، صادق الهمامي، إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المؤسسات الإعلامية ولا سيما الصحافة المكتوبة ترجع إلى أسباب هيكلية وليست ظرفية وهي تراجع عدد القراء وغياب الإحصائيات الرسمية والحقيقية لعدد قراء
الصحافة المكتوبة إلى جانب التدفق الكبير للمعلومة المجانية عبر المواقع الإلكترونية ومواقع الإنترنت وتطور الإعلام المرئي واقتصار الإصلاحات التشريعية على الإعلام المرئي وضعف انفتاح الصحافة التونسية على القطاع العمومي.
وأرجع الهمّامي التحديات التي يُواجهها الإعلام المكتوب في تونس إلى ضعف سوق الإعلانات وتأثره بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وهو ما جعل عائدات الإشهار في الإعلام تتراجع بنسبة 18.3% إلى جانب غياب شبه كلي للاشتراكات مع غياب مقاييس واضحة في إسناد الإعلانات العمومية أو أيّ دعم مباشر أو غير مباشر من الدولة.
وتعهد رئيس الحكومة الحبيب الصيد، في لقاء جمعة أخيرا بأعضاء جامعة مديري الصحف إحداث وكالة إعلانات عمومية والدعوة إلى مراجعة المنشور المتعلق بالاشتراكات الصحافية إلى جانب بحث صيغ لترويج الصحف في مؤسسات التعليم العالي ودور الثقافة لإحياء تقاليد الإقبال على مطالعة الصحف وإنقاذ الإعلام المكتوب.
اقرأ أيضاً: تونس تواجه أزمتها الاقتصادية بملاحقة المتهربين ضريبياً