القروض "الكتيمي"

25 سبتمبر 2017
حجم الدين الخارجي لمصر يتزايد بصورة متسارعة (Getty)
+ الخط -
سمعنا من قبل عن القروض "الجامبو" وهي تلك القروض الضخمة التي يحصل عليها كبار رجال الأعمال والمليارديرات من البنوك وتنتمي لخانة التسعة أصفار، أي المليار دولار ومضاعفاتها، وسمعنا أيضاً عن القروض "النونو" التي توجه لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وربما متناهية الصغر والتي لا تنتمي لخانة المليون وربما لخانة الآلاف.

وسمعنا عن أنواع كثيرة من القروض المتعارف عليها في الأسواق والقطاع المصرفي والمالي العالمي والمحلي، منها القروض الميسرة والحسنة، والقروض الرديئة، والقروض المشكوك في تحصيلها، والقروض السياسية، والقروض سيئة السمعة.

لكن ولأول مرة نسمع اليوم عن القروض "الكتيمي" باللهجة المصرية أو القروض المخفية التي يتم الحصول عليها والتوقيع عليها في الخفاء والظل، ورغم ضخامتها يتم التوقيع على عقودها داخل الغرف المغلقة.

هذه النوعية من القروض لا أحد يعرف أية تفاصيل بشأنها، ما حجمها، ما مدتها الزمنية، أي آجالها، هل هي قروض قصيرة الأجل مدتها عام، أم متوسطة تمتد إلى ما بين 3 و5 سنوات، أم هي قروض طويلة الأجل مدتها 20 سنة وربما أكثر، لا أحد يعرف أيضا سعر الفائدة المستحق علي القروض الكتيمي، ما هو موعد سدادها، ما هي تكلفة التأخر في السداد، أي الجهات والمحاكم التي يتم اللجوء إليها في حال حدوث نزاع بين المقرض والمقترض؟

بشكل عام، هذه النوعية من القروض لا يعرف تفاصيلها سوى جهتين فقط، الأولى هي الجهة المقرضة، والثانية هي الجهة المقترضة.

اليوم كشف طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري لنا عن نوع من القروض "الكتيمي" التي لا أحد يعرف تفاصيلها سوى الموقعين عليها، حيث أعلن أن مصر ستسدد 5.2 مليارات دولار لبنك التصدير والاستيراد الأفريقي قبل نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل أي بعد نحو شهرين وربما أقل.

السؤال: متي حصلت مصر على هذا القرض الكبير الذي يعد الأضخم في تاريخ الدولة المصرية والذي يتم الحصول عليه من جهة واحدة وخلال عام واحد؟ بالمناسبة، قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار سيتم منحه على فترة 3 سنوات بواقع 4 مليارات سنوياً.

إجابة السؤال جاءت في التقرير المنشور اليوم الإثنين بوكالة رويترز نقلا عن جريدة "المال" وهي أنه تم الحصول على القرض "عقب عقب تحرير سعر الصرف، أي في نوفمبر 2016، بغرض تعزيز موقف العملات الأجنبية لدى البنك المركزي"، وأن المديونية تتوزع بواقع 3.2 مليارات في شكل قرض قصير الأجل، وملياري دولار سيولة حصل عليها البنك المركزي عبر عملية إعادة شراء لأوراق مالية حكومية مع المصرف الأفريقي.

طيب نأتي لهذا السؤال المهم، لماذا لم تكشف الحكومة المصرية، ممثلة في البنك المركزي ووزارة المالية، عن تفاصيل القرض الضخم الذي منحه بنك التصدير والاستيراد الأفريقي عقب الحصول عليه مباشرة، ولماذا يتم إخفاء هذا القرض تحديداً عن البرلمان والرأي العام المصري، علما بأن وزيري المالية والاستثمار لا يتركان مؤتمرا ولا فرصة يلتقيان فيها بصحافيين إلا ويعلنان عن الحصول على قرض جديد، وكأن الحصول على قروض من الخارج هو بمثابة شهادة ثقة للاقتصاد المصري وحكومة شريف إسماعيل.

إعلان تفاصيل القرض "الكتيمي" قبل موعد سداده بشهرين يكشف لنا عن ثلاثة أمور خطيرة هي:

الأمر الأول: زيادة حجم الدين الخارجي لمصر بصورة متسارعة، فالدين الخارجي قفز بنسبة 38.4%، ليصل إلى 73.9 مليار دولار بنهاية شهر مارس/ آذار 2017 حسب أحدث رقم أعلنه البنك المركزي مقابل 53.4 مليار دولار في شهر مارس/ آذار من العام الماضي 2016، علما بأن رقم الدين الحقيقي ارتفع إلى نحو 77 مليار دولار عقب حصول الحكومة على قروض بقيمة 3 مليارات دولار نهاية شهر مايو/أيار الماضي عبر طرح سندات دولية، والسؤال هنا هل قرض البنك الأفريقي يدخل ضمن هذا الرقم؟

الأمر الثاني: وجود قروض مخفية عن أعين المصريين لا يعرفون عنها شيئا إلا قبل موعد استحقاقها، وبالتالي لا نستبعد الكشف عن قروض مخفية أخرى في المستقبل.

الأمر الثالث: بدء الحكومة والبنك المركزي مفاوضات لتجديد قروض قائمة ومد آجال سداد قروض مستحقة مثل ودائع دول الخليج بقيمة 5 مليارات دولار، واتفاقية تبادل عملات مع الصين بقيمة 2.76 مليار، وسندات دولية بقيمة 1.360 مليار دولار، اللافت هنا أن الحديث عن التجديد يصاحبه إعلان الحكومة المصرية عن اقتراض 10 مليارات دولار من الخارج عبر طرح سندات في الأسواق الدولية.

من حق المواطن أن يعرف كل الحقائق المتعلقة بالدين العام، سواء الداخلي أو الخارجي، ومن حقه أن يعرف حجم القروض المستحقة على بلده لأنه هو الذي يدفعها من جيبه وجيب أولاده في النهاية.

الأمر المخيف هنا حقاً هو أن يستيقظ المصريون ليجدوا أنفسهم مطالبين بسداد عشرات من القروض المخفية عنهم، وذلك على غرار قرض بنك التصدير والاستيراد الإفريقي، البالغ قيمته 5.2 مليارات دولار، والذي لم يعرفوا عنه شيئاً سوى قبل موعد سداده بشهرين.

المساهمون