أزمة الديون تتفاقم .... هل تصبح سريلانكا "أرجنتين جديدة"؟

27 نوفمبر 2019
تعاني سريلانكا من أزمة غاز منزلي (عقيلة جايارواردانا/Getty)
+ الخط -

سريلانكا، هذه الجزيرة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي في المحيط الهندي، كانت في أعقاب الاستقلال من الحكم البريطاني في عام 1948 من قادة الازدهار الاقتصادي في آسيا، تحسدها على انتعاشها المالي والتجاري دول كبرى مثل الهند والصين.

وكانت مؤشرات النمو الاقتصادي والتعليم والصحة في سريلانكا تتفوّق على جاراتها في المحيط الهندي، حيث كانت هذه المعدلات الحضارية أعلى من الهند وباكستان وبنغلاديش، وحتى الدول الأوروبية كانت تنظر إلى سريلانكا على أنها ستدخل مضمار الدول المتقدمة بعد عقود قليلة من الاستقلال.

ولكن الحروب الأهلية الطويلة والتصدعات الاجتماعية حوّلت سريلانكا إلى دولة فقيرة تستجدي الإعانات الاقتصادية من جيرانها.

وبينما صعدت جزيرة صغيرة في آسيا لا يفوق تعداد سكانها 5 ملايين نسمة، وهي سنغافورة، إلى قائمة دول الأعضاء بمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وقارب حجم اقتصادها 400 مليار دولار، بينما ظل الاقتصاد السريلانكي متخلفاً وتحت مستوى 90 مليار دولار في عام 2018.

ووضعت موديز في تقييمها الأخير لدول الاقتصادات الناشئة التي ربما ستتعرض للانهيار الاقتصادي على خطى الأرجنتين، سريلانكا على رأس القائمة بسبب حجم الديون الكبير وشح العملات الصعبة وعدم القدرة على التصدير.

ورصدت موديز في تقييمها الصادر في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري مجموعة من الدول التي قد تتعرض اقتصاداتها للانهيار بسبب تضخم العجز في الحساب الجاري والاعتماد على تدفقات الرساميل من الخارج، من هذه الدول باكستان وسريلانكا وبوليفيا وعدد من دول أميركا الجنوبية.
وتشير البيانات التي جمعتها كل من البروفسورة كارمن رينهارت من جامعة هارفارد والبروفسور كريستوف تريبش من معهد الاقتصاد الدولي إلى أن سريلانكا قضت الأربعة عقود الأخيرة وحتى عام 2010 تحت رقابة برنامج صندوق النقد الدولي لمعالجة الاختلالات المالية الخطيرة التي تعاني منها البلاد.

وستواجه الحكومة الجديدة التي تم انتخابها يوم الجمعة الماضي مجموعة من المعضلات المستعصية على صعد الاقتصاد والدين الخارجي والتصالح الاجتماعي.

وحسب وكالة أسوشيتد برس، أعلن رئيس سريلانكا المنتخب غوتابايا راجاباكسا تشكيل حكومة مؤقتة من 16 عضواً، برئاسة شقيقه ماهيندا راجاباكسا، الذي سيتولى لوحده ست وزارات معاً، حيث أدى الوزراء اليمين الدستورية أمام الرئيس.

وسلم الرئيس السريلانكي شقيقه الأكبر ماهيندا حقائب كل من المالية والاقتصاد والإسكان والتطوير الحضري والمياه والشؤون البوذية. وهي خطوة قد تثير السخط في بعض أجزاء البلاد.

وتواجه الحكومة الجديدة مجموعة من التحديات، أهمها الحد من الإنفاق الحكومي واستقرار سعر الروبية المتدهور ومنعها من الانهيار.

وتعد الروبية السريلانكية من عملات الاقتصادات الناشئة التي تضررت من ارتفاع سعر صرف الدولار في الأعوام الماضية، خاصة أن سريلانكا من الدول التي استدانت بكثافة خلال العقود الأخيرة مقارنة بحجم اقتصادها الصغير الذي يبلغ وفق تقديرات البنك الدولي نحو 88.9 مليار دولار.
كذلك تواجه سريلانكا أزمة الحصول على عملات أجنبية لتلبية خدمة الدين الخارجي البالغة حوالى 7.5 مليارات دولار سنوياً، وفقاً لبيانات البنك المركزي السريلانكي، وذلك في الوقت الذي تبلغ فيه احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة 9.1 مليارات دولار فقط، وفقاً لبيان البنك المركزي بسريلانكا. 

ويرى الخبير السريلانكي، إدوارد ثيوفيلوس، في مقال بموقعه، أن المشكلة الكبرى التي تهدد سريلانكا حالياً هي منع الروبية من الانهيار.

ويقترح الخبير ثيوفيلوس أن تتجه الحكومة الجديدة إلى توقيع اتفاقيات خارجية مع الولايات المتحدة أو الصين لزيادة حجم الاحتياطي الأجنبي بالبنك المركزي من مستوياته المنخفضة حالياً تحت 10 مليارات دولار إلى 25 مليار دولار، حتى تتمكن من تلبية خدمة الدين الخارجي.

وكانت الحكومة الصينية قد ضخت أموالاً ضخمة في سريلانكا خلال الأعوام الأخيرة، حيث أنشأت ميناء جديداً وشقت العديد من الطرق والجسور، ضمن مشاريع "الحزام والطريق".

وتستهدف الصين استغلال الموقع الاستراتيجي للبلاد ربما مستقبلاً، في تأسيس قواعد عسكرية، حسب ما يشير خبراء غربيون.

وتعتمد سريلانكا في الحصول على العملات الأجنبية من السياحة التي نشطت في السنوات الأخيرة، ولكن الانفجارات التي هزت البلاد في إبريل/ نيسان الماضي ضربت الموسم السياحي بالجزيرة.

وبالتالي ستواجه الحكومة الجديدة مشكلة التصالح الاجتماعي الشائكة ومكافحة الجماعات المتطرفة حتى تتمكن من استعادة الثقة للقطاع السياحي المهم. ويقدر عدد السكان بحوالي 21 مليون نسمة ويشكل التاميل نسبة كبيرة من التركيبة السكانية.
ويعتمد الاقتصاد السريلانكي على السياحة وزراعة الأرز وقصب السكر والتبغ والشاي، ولكن معدل الإنتاجية منخفض جداً.

كما أن مشاركة القطاع الصناعي والصناعات التحويلية تعد هي الأخرى ضعيفة جداً في البلاد، وهو ما يجعل الحكومة الجديدة تحت رحمة الصين التي استفادت حتى الآن من عدم الاستقرار السياسي، لتقايض القروض وإنشاء البنى التحتية بمستقبل وجودها في الجزيرة، إن لم تحصل على مساعدات جديدة من الولايات المتحدة والبنك الدولي.
المساهمون