تنسيق نقابي لحماية حرية الصحافة في تونس

06 مارس 2018
خلال يوم غضب الصحافة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بالرغم من مرور سنوات على تأسيسهما، إلا أن خطوط التماس بين النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين (تضم الصحافيين فقط) والنقابة العامة للإعلام (تضم صحافيين وتقنيين وعاملين في قطاع الإعلام) كانت شبه منعدمة، هذا إذا لم تتحول في فترات ما إلى شكل من أشكال الصراع حول أحقية تمثيل العاملين في القطاع الإعلامي التونسي.


لكن المتابع للشأن الإعلامي في البلاد، لاحظ في الفترة الأخيرة أنّ خطوط التقارب بين النقابتين باتت أكثر وضوحاً، خصوصاً بعد الحملة التي تعرض لها نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، ورئيس النقابة العامة للإعلام، محمد السعيدي، من قبل بعض القنوات التلفزيونية الخاصة على خلفية رفضهم الاجتماع مع مالك قناة "الحوار التونسي"، سامي الفهري، والذي تتهمه النقابات بالفساد المالي.

وأصبحت معالم التقارب واضحة للعيان من خلال الاجتماعات الدورية المشتركة بين النقابتين ومواقفهما الموحدة في عددٍ من القضايا، والتي من أهمها رفضهما مشروع القانون الحكومي المتعلّق بإحداث هيئة الاتصال السمعي البصري "نظرًا لما يمثله من تراجع خطير عن  مكاسب حرية الاتصال السمعي البصري"، ودعوتهما الحكومة التونسية إلى سحبه.

هذا بالإضافة إلى انشغالهما بملف تواصل ضرب الحقوق الاجتماعية في الإعلام الخاص، وتردي الأوضاع في الصحافة المكتوبة بما يهدّد جدياً بإغلاق الكثير من الصحف، وعدم وجود سياسة عموميّة للإعلام ما يفتح الباب على مصراعيه لمحاولات التطويع ووضع اليد. وتحمّل النقابتان، الحكومة، مسؤولية التباطؤ في معالجة الوضع رغم إبرام اتفاقيات عدة في الصدد مع الهياكل المهنيّة.

وفي هذا الإطار، دعت النقابتان إلى وقفة احتجاجية اليوم الثلاثاء أمام مقر "دار الصباح" (مؤسسة إعلامية كانت ملكاً لصخر الماطري صهر الرئيس التونسي المخلوع وتمت مصادرتها بعد الثورة التونسية) بعد أن قامت الحكومة التونسية بالتفويت (خصخصة) في جزء من هذه الدار للقطاع الخاص، وهو ما ترفضه النقابتان.

إلا أن هذا التقارب لا ينفي وجود بعض نقاط الاختلاف بين الطرفين، ومنها صعوبة الاتفاق على صيغة عملية للإضراب العام في قطاع الإعلام الذي دعت له النقابة العامة للإعلام وساندتها فيه النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من دون تحديد موعد له. وتعود الصعوبة إلى خشية بعض الأطراف داخل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من تغول النقابة العامة للإعلام وهيمنتها على القطاع، خصوصاً أنها منضوية تحت لواء "الاتحاد العام التونسي للشغل" (كبرى المنظمات النقابية في تونس وأحد الفاعلين الرئيسين في المشهد السياسي والاجتماعي). لهذا يرى البعض من الناشطين في النقابة الوطنية للصحافيين ضرورة التريث قبل الإعلان عن موعد للإضراب العام الذي يعتبر حدثاً مفصلياً في تاريخ الإعلام التونسي وجب دراسة كل تداعياته ونتائجه المحتملة.

ويعتبر الاختلاف ثانوياً أمام التحديات المطروحة اليوم أمام الإعلام التونسي، تحديداً منها المتعلقة بحرية الصحافة. إذ ترى النقابتان أنّ هناك تراجعاً خطيراً في وضع الحريات الصحافيّة، وتشيران إلى أنّ صمت وزارة الداخليّة عن كلّ الانتهاكات التي طاولت العشرات من الصحافيين طيلة الأسابيع الأخيرة "تشريعٌ لسياسة قمعية وتضييقية"، مشدّدتين على خطورة الاعتداء الهمجي الذي طاول، أخيراً، طاقماً صحافياً من مؤسسة التلفزة الوطنية التونسيّة (تلفزيون رسمي) والذي ما يزال الجناة فيه طلقاء، في إفلات تام من العقاب.

وقد يمنح التقارب والاختلاف في وجهات النظر بين النقابتين، دفعاً إضافياً للعمل النقابي الإعلامي، في فترة يتفق الجميع على حساسيتها لأنها ستكون المحدد في مستقبل الإعلام التونسي: فإما التحرر التام أو الرجوع إلى "مربع الاستبداد الأول".