لبنان: كل المؤشرات تدقّ ناقوس الخطر

لبنان: كل المؤشرات تدقّ ناقوس الخطر

31 ديسمبر 2018
تحرّك ضد القمع في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -
يتأرجح المواطن اللبناني بين موادّ دستورية وأخرى قانونية، تسمح لمن هم في السلطة باستخدامها باستنسابيّة، كما تملي عليهم مصالحهم الشخصيّة، إذ تشوبها ثغرات كثيرة يأمل الناشطون والصحافيون أن تتم معالجتها، كي ترقى إلى مستوى المعاهدات الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير.
لبنان الذي اعتاد مواطنوه التغني بحريته، وبعدما كان ملجأً للكتاب والصحافيين العرب للتعبير عن آرائهم بحرية بعيداً عن القمع، تراجع هذا العام مرتبةً واحدة في مجال حرية الصحافة بحسب تصنيف "مراسلون بلا حدود". أما هذا التراجع فيُمكن القول إنه أيضاً من "إنجازات العهد"، لكن على حساب المواطن وكُتّاب المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعكسون بكلماتهم الواقع المرير.
أكثر من خمسة وثلاثين انتهاكًا للحريّات الإعلامية والثقافية حدثت في لبنان خلال الفترة الأخيرة، وفقط خلال عشرة أيام تم استدعاء خمسة من الناشطين إلى التحقيق، أي بمعدّل ناشطين يوميًّا يتم تكميم أفواههم.
وتعددت الأسباب بين الخطابات السياسية، ستاتوس واتساب، المنشور الهزلي، التغريدات، المقالات الصحافية، والتحريض على تقييم "فندق". هذا ما نشهده اليوم حين يتجرأ أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبير عن رأيه، إذ تتحرك السلطة السياسية ويؤازرها جيش من المواطنين المدافعين عن هذا الزعيم أو ذاك، فيتعرّض المواطن الذي لم يمارس سوى حقّه في التعبير، إلى التنمّر الاجتماعي من جهة، والمقاضاة القانونية من جهة أخرى.

ليس ذلك فحسب، بل إن السلطات تتسابق لملاحقة أصحاب الرأي بسبب آرائهم، منها "مكتب مكافحة الجريمة الإلكترونية" و"محكمة المطبوعات"، و"شعبة المعلومات"، و"المحاكم العسكرية". ناهيك عن البلاغات الشخصيّة أو المجهولة والاستدعاءات إلى المخافر، والتوقيع عن تعهدات "غير قانونية" يوقّع فيها المواطن على عدم التعرّض للشخصيات السياسية والدينية العامّة.
والمشكلة الأخرى، تكمن في إصدار بعض الأحكام القانونية دون محاكمات، كما حدث مع الناشط شربل خوري، حين أصدرت القاضية غادة عون في حقّه حكمًا، من دون تعريضه للمحاكمة التي يكفلها له القانون. وكذلك تكمن في استنسابية الملاحقات التي قد تطال ناشطًا أو صحافيًا بسبب رأي ما، بينما لا تقترب من آخرين لديهم الرأي نفسه.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي 2018، إن القيود على حرية التعبير اشتدت العام الماضي في لبنان في ظل مماطلة في الإصلاحات الحقوقية، رغم بعض التقدم في التشريعات حول التعذيب وحقوق المرأة. إلا أن السلطات اللبنانية لاحقت أشخاصًا على خلفية التعبير بشكل سلمي، كما تم ضرب جنود متظاهرين في وسط المدينة كانوا يحتجون على التمديد الثالث لمجلس النواب. وكانت المنظمة قد طالبت السلطات اللبنانية بوقف إجبار الناشطين على التوقيع على تعهّدات.
وفي هذا السياق، يشرح المحامي نجيب فرحات أنّ "تعهدات الصمت التي يُجبر الناشط أو الصحافي أو المدوّن على التوقيع عليها مُكرهًا كشرط للإفراج عنه بعد توقيفه ليست سوى ضرب من ضروب القمع، وهي تخالف الدستور ولا أساس لها في القانون اللبناني"، مضيفًا أنّ "مثل هذه الممارسات التي تزايدت هذا العام أدى إلى هذا التراجع".
وخلال العام الماضي، قام ناشطون لبنانيون بتحرّكات تحت عنوان "ضد القمع"، طالبت بإلغاء صلاحيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في ما يتعلق بالتعبير عن الرأي، ولا سيما أن مهامه يفترض أن تكون محض فنية، وبضرورة الالتزام في قضايا المواقع الإلكترونية، بأن يتولى قضاة النيابة العامة بأنفسهم التحقيق فيها، وبمبدأ عدم التوقيف الاحتياطي وعدم إجبار من يتم التحقيق معهم بجرائم "الرأي والكلمة" بالتوقيع على تعهّد في الصمت، وبمعنى أوضح فإنه يجب أن تتم معاملتهم على غرار القوانين الحالية التي ترعى تنظيم وسائل الإعلام الأخرى، إلى حين تشكيل الحكومة وبعدها الإصرار على مراجعة قانون الإعلام الجديد، المقدم من جمعية مهارات منذ الـ2010، وسائر المشاريع المطروحة أمام اللجان النيابية.

كما شهدت تظاهرة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية في بيروت، خلال ديسمبر/ كانون الأول، انتهاكات فاضحة لحريّة الصحافيين والمصوّرين، إذ تمكنت بعض الكاميرات من التقاط صور وثّقت تعدياً بالضرب وتكسيراً للمعدات للصحافية من عناصر الجيش اللبناني، وذلك بحجة عدم جواز تصوير عناصره أثناء تأديتهم لواجبهم الأمني، الذي يقتضي حماية التظاهرات، وهي ذريعة تُستخدم عادةً لإسكات كل الأصوات التي تنتقد النظام الحاكم.
وفي هذا الصدد، أكّد المسؤول الإعلامي في مركز سمير قصير للدفاع عن الحريّات الإعلامية في بيروت جاد شحرور، "أن هذه الانتهاكات لحرية الإعلام من ممثلي قوى الأمن غير مقبولة، في دولة المفروض أنها ديمقراطية مثل لبنان"، مؤكداً ضرورة "تمكين الصحافيين من تغطية التظاهرات الجارية حالياً في البلد بكل حرية، وخاصة أن دور الصحافة هو نقل الخبر". ودعا في الوقت ذاته "السلطات إلى عدم عرقلة عمله وحمايتهم"، فقد "تم تسجيل أكثر من ستين انتهاكاً للحريات الإعلامية والثقافية في الـ2018 فقط، بين حجز وتحقيق مع صحافيين وناشطين وحظر أفلام، إذ يعكس هذا الارتفاع في الأرقام عنفاً غير مسبوق ضد الفاعلين الإعلاميين بحد تعبيره، ودلالة على أن عنوان الديمقراطية لبلادنا أصبح منافياً للواقع". مضيفاً أن "كل المؤشرات تدق ناقوس الخطر، وخاصة أن نقابة الصحافة شبه غائبة عن المشهد ككل".

المساهمون