أكثر من خمسين عاماً مضت منذ أسس المغني وعازف الغيتار، رودولف سنكر، فرقة "سكوربيونز" (Scorpions)، التي تعتبر أكثر فرقة روك وهيفي ميتال نجاحاً تجارياً بالتاريخ، إذ باعت خلال مسيرتها ما يزيد على 100 مليون نسخة من ألبوماتها، وحققت من خلال أغنية Wind of change، الصادرة عام 1991، رقماً قياسياً يصعب تجاوزه، لأعلى نسبة مبيعات تحققها أغنية منفردة، حين وصلت مبيعات الأغنية إلى 14 مليون نسخة.
أرقام "سكوربيونز" قد تبدو مثيرة للإعجاب، لكن النجاح التجاري لم يكن هاجس الفرقة التي لا تزال تحافظ على قوامها منذ عام 1979، وها هي، حتى اليوم، مواظبة على العمل والإنتاج، رغم أن أعضاء الفرقة تجاوزوا عتبة السبعين. ففرقة "سكوربيونز" تتميز عن باقي فرق الروك التي تنتمي إلى ذات الحقبة، وتحظى بمكانة قريبة منها، بأنها مستمرة بالعطاء، ولم تقبل بأن تتحول إلى صورة مؤطرة عن ذاتها، وتعيش على نجاحات الماضي. هذا ما يثبته الألبوم الأخير، الذي أصدرته الفرقة الأسبوع الماضي، بعنوان Rock Believer.
صورة الغلاف صممتها "سكوربيونز" على غرار أغلفة ألبوماتها الخالدة في الثمانينيات، تفتح باب النوستالجيا قبل بداية الألبوم، الذي تتكون نسخته الأساسية من 11 أغنية، تمتد على 45 دقيقة. وتضم النسخة الموسعة منه شريطاً إضافياً يحتوي على أغانٍ أخرى، تزيد مدته على 64 دقيقة.
وخلال المدة التي نقضيها بالاستماع إلى الألبوم، تسيطر علينا مشاعر متضاربة؛ فإن كنا من عشاق "سكوربيونز"، سنشعر بأن العمر مجرد رقم، وأن البهجة والطاقة العنيفة الغاضبة التي تحويها موسيقى الروك الخاصة بالفرقة، لا يمكن أن تهرم أبداً، وسنشعر بالافتقاد للأغاني الأيقونية التي تبدو كأنها تلقي بظلالها من خلال أغانٍ أخرى؛ إذ سنشعر بشيء من روح Holiday في أغنية Shining Of Your Soul، ووجود إيماءات من أغنية Out for the love drive في أغنية Call Of The Wild، وبأن Wind of Change تتجلى بخفة في الأغنية الختامية When You Know - Where You Come From؛ ذلك يجعل الاستماع إلى الألبوم يحمل متعة مضاعفة، إذ نحصل من خلاله على المزيد من الأغاني الجديدة والجيدة لـ"سكوربيونز"، وكذلك يدفعنا إلى استرجاع أغانيهم القديمة والماضي الذي ترتبط فيه.
قد لا يحمل ألبوم Rock Believer ذات القيمة بالنسبة إلى الجمهور من مواليد الألفية الجديدة، أو من مواليد التسعينيات؛ فهذه الأجيال لم تشهد على نجاحات "سكوربيونز"، إذ لا يمكن التغاضي عن كون ألبوم Crazy World، الذي صدر عام 1990، كان آخر ألبوم للفرقة يحقق نجاحاً تجارياً كبيراً، كذلك تراجعت شعبية موسيقى الروك بعد ذلك بشكل ملحوظ.
إلا أن الأمر الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع، هو أنّ "سكوربيونز" بإصدارها الجديد، تظهر بألقها الكامل من دون أن نشعر بالانكسار الذي نلمسه عادةً مع فرق الروك العائدة من بعيد؛ وكأن "سكوربيونز" تعطلت عندها عقارب الساعات وتوقف معها الزمن، فتنتج الأغاني للجمهور الذي لا يزال يعيش في عصرها، وتخاطبه بالأغنية الرئيسية التي تحمل عنوان الألبوم: "أنا مثلك أيضاً، ما زلت أؤمن بالروك".
الطاقة تشتعل مع بداية الألبوم ولا تخمد حتى انتهائه، فليس هناك أي أغنية رديئة في العمل تعطل توهجه؛ لكن يمكن الإشارة إلى بعض الأغاني التي تبدو أكثر جمالاً واكتمالاً، ومن بينها بكل تأكيد أغنية When I Lay My Bones To Rest، التي تحمل جرعة خفية من الألم بين الكلمات الحماسية التي تحث على الاستمتاع والصراخ. يرد فيها: "هل أنت جاهز لرقصة العقارب؟ لا عليك، سنتأرجح لأيام ولن تكون هناك أيّ حدود إطلاقاً".