وحيد حامد... "الأستاذ" الذي أحب أيامه ولعب مع الكبار

02 يناير 2021
خلال تكريمه الشهر الماضي (صفحة مروان حامد/فيسبوك)
+ الخط -

قبل شهر واحد فقط، وقف السيناريست الكبير وحيد حامد على مسرح دار الأوبرا المصرية، ليُكرّم عن مُنجز عمره الإبداعي، وقرابة خمسين عاماً قضاها في الفن والكتابة والأفلام. بدا متعباً حينها، لكن ذهنه كان حاضراً كما هو دائماً، فكانت جملته الأجمل التي كررها مرتين هي "أنا حبّيت أيامي".

صباح الثاني من يناير/كانون الثاني توفي حامد، بعد أزمة صحية استمرت لأيام، تاركاً لنا أفلامه وأعماله التي ساهمت في تشكيل المشهد الفني والثقافي المصري لقرابة نصف قرن.

مع الناس دائماً... ضد السلطة أحياناً

هناك صورة ما مكررة جداً في أفلام وحيد حامد، وتمثّل جوهر مشروعه وأفلامه: صورة عشرات الناس العاديين في ناحية، وممثل للسلطة في ناحية أخرى. والسلطة هي إما الحكومة أو العساكر أو الأثرياء. ويكون انحيازه الدائم وبطل حكايته مع الناس.

تلك الصورة بدأت بشكل مبكر جداً في مسلسلات حامد الإذاعية، وتحديداً "قانون ساكسونيا" الذي قدمه في أواخر السبعينيات، كرد فعل ثوري وصادم على تغييرات عصر الانفتاح الاقتصادي في مصر، وصعود طبقة رجال الأعمال وتحكمها في مقاليد الحياة.

وحين بدأ مسيرته السينمائية حوّل نفس الحكاية لفيلم "الغول" (1983) الذي شهد على تعاونه الأول مع أحد أهم رفاق مسيرته المخرج الكبير سمير سيف. في الشريط الشهير نرى الكيان العملاق الذي يمثله رجل الأعمال، وهو في تصادم مستمر مع أشخاص عاديين يحاول قهرهم. هذا القهر، وفي تلك المرحلة المبكرة من مسيرة حامد، ينتهي بثورة عنيفة في الصدام النهائي.

مع الوقت، تغيرت رؤية حامد لنهاية هذا الصراع، لكن ظلت "الصورة" متكررة ومُلحة، تحديداً في خماسية التسعينيات، والمقصود بها الأفلام الخمسة الهامة التي جمعته مع المخرج شريف عرفة والممثل عادل إمام، وكانت الحلقة الأهم من مسيرة ثلاثتهم، والأفلام هي: "اللعب مع الكبار" (1991)، و"الإرهاب والكباب" (1992)، و"المنسي" (1993)، و"طيور الظلام" (1995)، و"النوم في العسل" (1996).

تغيرت رؤيته من "الصدام مع السلطة" إلى مهادنتها في سنوات عمله الأخيرة

وفي هذه الخماسية ينتهي كل عمل بانقسام واضح بين الناس من جهة والسلطة من جهة. سواء كانت تلك السلطة هي وزير الداخلية (الإرهاب والكباب) أو كبار دولة مجهولين (اللعب مع الكبار) أو رجال أعمال أغنياء (المنسي)، وصولاً لآخر مشهد من الخماسية في فيلم "النوم في العسل" الذي يقود فيه عادل إمام الناس للذهاب إلى مجلس الوزراء وهم يصرخون "آه"، في واحد من أكثر مشاهد التسعينيات أيقونية.

كان حامد كاتباً ينحاز للناس، يعبر عنهم، ويمثلهم في أفلامه من خلال حكايات أخاذة وممتعة في نفس الوقت. تغيرت رؤيته من "الصدام مع السلطة" إلى مهادنتها، لكن رغم ذلك كان في كل مرة يقف في صف الناس.

بين السياسة والحكايات البسيطة

ميزة أخرى في مسيرة حامد الطويلة، هي قدرته الفائقة على التحرك بين نوعين من الأعمال؛ الأول هو الأفلام السياسية ذات النبرة الحادة والذكية، سواء الأفلام السابق ذكرها مع عادل إمام، أو أفلاماً أخرى مثل "البريء" (1986) مع أحمد زكي والمخرج عاطف الطيب عن عساكر الأمن المركزي وكيفية السيطرة عليهم من قبل الدولة، أو "الراقصة والسياسي" (1990) مع نبيلة عبيد والمخرج سمير سيف، أو "كشف المستور" (1994) مع نبيلة عبيد أيضاً والمخرج عاطف الطيب الذي كان عملاً جريئاً واستثنائياً في تناوله لاستغلال جهاز المخابرات في العهد الناصري للنساء من أجل ابتزاز شخصيات هامة، وفيلم "معالي الوزير" (2003) مع أحمد زكي وسمير سيف عن فساد الوزراء والدولة في عصر حسني مبارك.

أما النوع الثاني فهو أفلامه التي تناولت جماعة الإخوان المسلمين؛ مثل مسلسل "العائلة" (1994) وفيلم "دم الغزال" (2005) وجزأي مسلسل "الجماعة 1" (2010) و"الجماعة 2" (2017).

لكن في الوقت نفسه تمتلئ مسيرة حامد بأفلام أبسط وأكثر رقة، حكايات حب أو علاقات أسرية، بكتابة ساحرة وأخاذة في حوارها وتفاصيلها، في أفلام مثل "الإنسان يعيش مرة واحدة" (1981) أو "أنا وانت وساعات السفر" (1988) وهو فيلم يدور داخل قطار وفي حوارٍ ممتد بين بطليه يحيى الفخراني ونيلي، وبالطبع "اضحك الصورة تطلع حلوة" (1998). في تلك الأعمال كانت تمتزج الأفكار الذكية، مع الشخصيات الحية والنابضة، مع حواره الذكي وجمله المؤثرة التي تبقى في الذاكرة بمفردها.

الذكرى الأخيرة

من المؤثر أن تأتي وفاة "الأستاذ" وحيد حامد بعد شهر واحد من تكريمه وعاصفة المحبة التي غمرته من تلاميذه ومحبيه في مهرجان القاهرة، سواء في لحظة التكريم نفسها، أو في الندوة التي أقيمت بعدها واستمرت لساعتين. وقتها قال حامد، وبشكل صادق ومؤثر، إنه ربما أساء تقدير بعض الوقائع، ربما قدم آراء ورؤى وراجعها بعد ذلك، لكن المؤكد أنه لم يكتب يوماً إلا ما يصدقه ويؤمن به، وهو ما يَشهد له به الجميع.

كان كاتباً استثنائياً، وسينمائياً يدرك أن دوره ليس فقط أن يحكي للناس حكايات مسلية، ولكن أن يلهمهم ويؤثر في وجدانهم، أن يشتبك مع واقعهم اليومي ليتأمله ويفكر فيه ويعبر عنه. كان كاتب سيناريو عظيماً، ورحيله خسارة كبيرة للسينما والفن المصريَين.

المساهمون