"مهرجان فينيسيا الـ80": المُشاهدة أصدق من التوقّعات

30 اغسطس 2023
إيفا دوفرناي: أول أفروأميركية تشارك في المسابقة الرسمية لـ"فينيسيا" (راي تامارا/Getty)
+ الخط -

 

ساعات قليلة وتبدأ الدورة الـ80 لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، المُقامة بين 30 أغسطس/آب و9 سبتمبر/أيلول 2023. ثم تتكشّف، تدريجياً، وقائع البرنامج، الذي أعلنته الإدارة الفنية قبل نحو شهرين. لاحقاً، يظهر التقييم النقدي للمستويات الفنية والجمالية والفكرية للأفلام المختارة، المتنافسة في "المسابقة الرئيسية"، والمعروضة في أقسام أخرى، كـ"خارج المُسابقة" و"آفاق" و"كلاسيكيات فينيسيا".

مبدئياً، هناك أفلام تستمدّ أهميتها من أسماء مخرجيها المكرّسين، استناداً إلى مسيرة إخراجية عريضة، أو بسبب جوائز مُعتَبرة نالوها سابقاً. أفلام منتقاة يتعيّن التركيز عليها، من أصل 25 ـ 30 فيلماً في هذه الدورة، بعضها ربما يفوق مستواه التوقّعات، والآخر ربما لا جديد فيه أبداً. هناك تمنٍّ بألا يُخَيِّب كثيرٌ منها آمالاً معقودة عليها، لا سيما أنّ هذا حاصلٌ سابقاً في المهرجان نفسه، كما في غيره، وإنْ مرّات قليلة.

 

المسابقة الرئيسية

هناك 3 أفلام فرنسية مُنتَظَرة: "مُربّي الكلاب" للوك بيسون، عن صبيّ يجد العزاء والخلاص من شرور العالم، وقسوة الحياة ووحشيتها، في إحاطة نفسه بكلابه الحبيبة؛ و"الوحش" لبرتران بونيلّو، الذي يجمع بين الفانتازيا والرومانسية والخيال العلمي، وتدور أحداثه في مستقبلٍ قريب، عن سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشر، وتفوّقه على مقاديرهم. في "خارج الموسم"، يبتعد سْتفان بريزيه عن أجواء السياسة والالتزام الاجتماعي والقضايا الكبرى، الحاضرة في أفلامه الأخيرة، ويُقدّم دراما رومانسية خالصة، عن حبيبين يحاولان العودة إلى علاقتهما السابقة، إثر لقاء مفاجئ بينهما، بعد 15 عاماً على انفصال أحدهما عن الآخر.

أما إيطاليا، فتُشارك للمرة الأولى بـ6 أفلام، أبرزها جديد المبدع ماتيو غارّوني، "أنا القبطان". فيه، يحاول، بعد توقّف عن الإخراج لـ5 سنوات، تقديم صورة مُغايرة عن تلك التي رسَّخَها الإعلام الأوروبي عن المُهاجرين، بتصويره رحلة أوديسيّة عبر البحر، يقوم بها مراهقون سنغاليون، انطلاقاً من داكار، عبر صحراء ليبيا، باتجاه أوروبا.

من الأفلام المُنتظرة أيضاً، جديد الياباني الموهوب، مُخرج "قُدْ سيارتي"، رويسوكي ياغوتشي: "الشرّ غير موجود"، عن الخطر البيئي الذي يُهدّد قرية يابانية هادئة ونظيفة، بعد قرار شركة عملاقة تنفيذ مشروعٍ لها، رغم تهديده سلامة المياه في المنطقة. هناك جديد البولندية المُخضرمة أنيييشكا هولاند، "الحدود الخضراء"، عن أزمة فتح الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، عام 2021، أمام الراغبين في العبور إلى الغرب، عبر بولندا. يرصد الفيلم الأزمة الإنسانية على الحدود، عبر عائلة من اللاجئين السوريين، وشخصيات أخرى.

 

 

بعد توقّف عن الإخراج 5 سنوات، يعود اليوناني يورغوس لانتيموس مُجدّداً إلى "فينيسيا"، وإلى نوع أفلامه الغريبة وأسلوبها، في "أشياء فقيرة"، بعد فيلمه التاريخي البريطاني، "المُفَضّلة" (2018). جديده ناطقٌ بالإنكليزية، وبريطاني الإنتاج، تُمثِّل فيه إيما ستون، في تعاونٍ ثانٍ لها معه على التوالي: فتاة تعود إليها الحياة بعد مُعجزة جراحية، لكنّها تحيا بطريقة غير عادية.

في الإطار نفسه، تشهد المسابقة عروضاً أولى لأفلامٍ أميركية ضخمة ومهمّة، وأخرى ذات إنتاج أميركي. أبرزها "بريسيلا" لصوفيا كوبولا، المتواجدة في المهرجان للمرة الثالثة، علماً أنّها المرة الثانية لها في المسابقة، بعد فوزها بـ"الأسد الذهبي" عن "مكان ما"، في الدورة الـ67 (1 ـ 11 سبتمبر/أيلول 2010). جديدها يروي قصّة حياة زوجة إلفيس بريسلي، بريسيلا، استناداً إلى مذكراتها الصادرة عام 1985، بعنوان "إلفيس وأنا". أما الممثل والمخرج برادلي كوبر، فله "مايسترو"، العائد فيه إلى ثنائية الإخراج والبطولة، مع كاري موليغان، في فيلم دراما مُوسيقية، بعد فيلمه المُدوي "مولد نجمة" (2018) مع ليدي غاغا. يتناول جديده حياة ليونارد برنشتاين وزواجه، هو الملحن وقائد الأوركسترا وعازف البيانو، وعلاقته المتأزّمة بزوجته فيلتشيا، وزواجهما في ربع قرن.

 

أميركا أميركا

أميركياً، هناك أيضاً "ذاكرة"، للمكسيكي ميشيل فرانكو: لقاء يجمع أمّاً عزباء برجل غريب، يتعرّف إليها صدفة، ويؤثّر لقاؤهما المفاجئ عليهما بشكل عميق، إذْ يفتح الباب أمام الماضي وتداعياته القاسية. هل سيصمدان في مواجهته، أم سيهربان؟ إليه، يُعرض "أصول"، لإيفا دوفرناي، أول أفروأميركية تشارك في المسابقة. يستند جديدها هذا إلى سيناريو كتبته المخرجة نفسها، عن حياة الصحافية إيزابيل ويلكرسون، أول صحافية أفروأميركية تفوز بجائزة "بوليتزر" للصحافة، وذلك استناداً إلى كتاب ويلكرسون، "الطبقة: أصول سخطنا" (2020)، الذي يتضمّن نقداً فلسفياً واجتماعياً وسياسياً للعنصرية والطبقية المتجذّرتين بشدّة في المجتمع الأميركي.

في المقابل، هناك ثلاثة أفلام أميركية لـ"نتفليكس": فيلم جريمة وإثارة بعنوان "القتلة" لديفيد فينشر، عن سفّاح يبدأ ضميره في الاستيقاظ تدريجياً، فيشعر بالذنب حيال جرائمه، ما يُصيبه بأزمة نفسية حادة. بعد آخر مُشاركة له في المسابقة، مع "سبنسر" (2021)، عن محطّات في حياة الأميرة الراحلة ديانا، يعود التشيلي بابلو لارين في "الكونت" إلى بلده الأم ولغته الإسبانية، مُقدّماً دراما كوميدية فانتازية سوداوية، عن الجنرال الدموي ورمز الفاشية أغوستو بينوشيه، مُصوّراً إياه في هيئة مصّاص دماء. إلى الماضي أيضاً، تحديداً إلى خمسينيات القرن الماضي في إيطاليا، يعود "فيراري" لمايكل مان: عن حياة بطل سباق السيارات المُعتزل، ورجل الأعمال، إنزو فيراري، والإفلاس المالي الذي يمرّ فيه، ومأساة فقدانه ابنه دينو، وخسارته الوشيكة لمصنعه، بعد سنوات نجاح باهرة.

أخيراً، هناك "هولي"، جديد البلجيكية فيان تروش، الفائزة بجائزتي أفضل فيلم وأفضل إخراج عن "منزل" (2016)، في "آفاق" الدورة الـ73 (31 أغسطس/آب ـ 10 سبتمبر/أيلول 2016): تكتشف معلّمة المراهقة هولي قدراتها الحدسية والتنبؤية، فتحتضنها. لكنّ الأمور تمضي على نحو غير جيّد نهائياً بالنسبة إلى هولي.

 

خارج المُسابقة

من 14 فيلماً معروضاً "خارج المسابقة"، هناك ما يستحقّ الانتظار: "القصر"، للبولندي رومان بولانسكي، في ليلة الاحتفال بالألفية الجديدة، في فندق قصر مهيب، يجتمع فيه بعض أبرز أثرياء العالم، للاحتفال بالمناسبة. كوميديا سوداء بالغة الجنون والغرابة والاستفزاز. الشريط الترويجي يُوحي بأنّ بولانسكي يُقدّم نفسه، هذه المرة، في نقلة نوعية لافتة للانتباه، كما لم يظهر منذ عقود. أيضاً، يعود وودي آلن بجديده الفرنسي "ضربة حظ"، فيلمه الخمسين، الذي يتناول مُجدّداً موضوعه الأثير: العلاقة الأسرية بتعقيداتها كلّها، خاصة تلك القائمة بين حبيبين/زوجين باريسيين، المُخلصِيَن أحدهما للآخر، لكنّ علاقتهما تواجه تحدّياً مُفاجئاً يضعها على المحك.

أمّا الإيطالية ليليانا كافاني، التي يُكرّمها المهرجان هذا العام بجائزة "الأسد الذهبي" الفخري، فتعود إلى السينما بعد عقدين تقريباً، مع جديدها الروائي "النظام الزمني": في فيلا مُطلّة على البحر، يجتمع سنوياً أصدقاء عديدون للاحتفال بعيد ميلاد أحدهم. هذه المرة، فور اجتماعهم، يكتشفون أنّ نهاية العالم وشيكة، ولم يتبقّ لهم سوى ساعات قليلة، وأنّ مصائرهم ستتغيّر إلى الأبد.

 

 

بعد تكريم الأميركي وس أندرسون بجائزة "كارتيه"، يعرض "مهرجان فينيسيا" جديده القصير "القصّة الرائعة لهنري شوغر" (40 دقيقة)، المُستند إلى قصة قصيرة لأديب الأطفال البريطاني رولد دال: رجلٌ ثري يكتشف مُعلّماً لديه القدرة على الرؤية، من دون استخدام عينيه، فيستخدم هذا ويُوظّفه في الغشّ في صالات القمار.

من الأعمال المنتظرة أيضاً، ما أنجزه الأميركي، الراحل مُؤخّراً، ويليام فريدكن، "المحاكمة العسكرية لتمرد كين"، المأخوذ عن مسرحية مكتوبةٍ قبل خمسين عاماً، للأديب والممثل هيرمان ووك. معاينة جديدة لطرح كين في النصّ، المُقدّم تلفزيونياً وسينمائياً ومسرحياً أكثر من مرة. تدور الأحداث حول قبطان بحري أميركي، تظهر عليه علامات الجنون، فيعفيه القائد الأول من قيادة السفينة، ما يعتبره البعض محاولة تمرّد، تستوجب محاكمة عسكرية.

"قاتل مُستأجر" للأميركي ريتشارد لينكلايتر، مستوحى من وقائع حقيقية عن غاري جونسون، أحد أشهر القتلة المُحترفين في نيو أورلينز. يتنقَّل لينكلايتر بين أنوع سينمائية مختلفة، تجمع الدراما بالإثارة والكوميديا والدراسة النفسية، بتناوله مفهوم الهوية والثبات النفسي ـ العاطفي.

بعد الاستقبال النقدي القوي لفيلمه اللافت للانتباه "محاكمة غولدمان"، المعروض في "نصف شهر المخرجين" في الدورة الـ 76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ"، يأتي الفرنسي سيدريك كانّ إلى "فينيسيا الـ80" بـ"ماكينغ أوف": مخرج مشهور، يكافح بكلّ السبل لتنفيذ أحدث أفلامه، والتغلّب على الإضرابات، وضعف الميزانية، ومشاكله الحياتية، وغيرها.

من الوثائقيات الجديرة بالاهتمام، إمّا لطرافة موضوعها، وإمّا لأنّ صانعها أميركيّ معروف يُدعى فريدريك وايزمان، هناك "قوائم طعام مُمتعة ـ الكبار الثلاثة "، عن أحد أقدم وأشهر المطاعم العالمية وأشهرها (Les Troisgros)، الذي أسّسته عائلة فرنسية قبل 93 عاماً. تدور أحداثه في 240 دقيقة، في ثلاثة فروع له، ويتناول أربعة أجيال ساهمت في إطلاق المطعم، وفي إنجاحه وترسيخ شهرته.

 

كلاسيكيات فينيسيا

غالباً ما يشاهد المرء، بدافع الفضول، ما يتيسّر من أفلام "كلاسيكيات فينيسيا"، التي تعرض عادة تُحفاً خالدة في تاريخ السينما، مستعادة أو مُرمّمة أو مُحَوَّلة إلى وسائط رقمية حديثة. منها "واحد من القلب" (1982) للأميركي فرنسيس فورد كوبولا، الذي أشرف شخصياً على إتمام النسخة المُرمّمة، و"أندريه روبليف" (1969) للسوفييتي أندره تاركوفسكي، والفيلم ممنوع عرضه حينها، وفي "فينيسيا" ستُعرض النسخة الجديدة الكاملة وفقاً لتنفيذ تاركوفسكي لها آنذاك. وبمناسبة الذكرى الـ120 لميلاد الياباني ياسوجيرو أوزو، سيُعرض "كان هناك أب" (1942) بنسخة مستعادة وغير مقتطعة أو مُشوّهة أو مبتورة، ومغايرة للنسخة القديمة، التي أجازتها الرقابة حينها.

المساهمون