كشفت نتائج دراسة جديدة وجود علاقة بين ضبط النفس في مرحلة الطفولة وشيخوخة منتصف العمر. من خلال نتائج دراسة تطبيقية على عينة من الأفراد في نيوزيلندا، تبين للباحثين أن الأفراد الذين أظهروا قدراً كبيراً من ضبط النفس في مرحلة الطفولة يتقدمون في العمر جسدياً بشكل أبطأ، وأظهروا علامات أقل لشيخوخة الدماغ. يعد ضبط النفس، والقدرة على احتواء أفكار المرء ومشاعره وسلوكياته واتباع خطط نحو أهدافه التي يسعى لتحقيقها، من أهم السمات الشخصية التي تجعل الطفل جاهزاً للمدرسة، بل ولخوض الحياة عموماً.
وطبقا للدراسة التي نشرت يوم 4 يناير/ كانون الثاني في مجلة "بروسيدنجس أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس"، فإن هؤلاء الأفراد الذين اعتادوا ضبط أنفسهم منذ الصغر، يتمتعون كذلك بإدارة أفضل لمتطلباتهم الصحية والمالية والاجتماعية، من الأفراد الذين أظهروا ضعفاً في ضبط النفس في مرحلة الطفولة.
تتبع الباحثون آلاف الأشخاص منذ الولادة وحتى سن 45 في نيوزيلندا، ليتوصلوا إلى أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من ضبط النفس، كانت أدمغتهم أكثر صحة وأصغر سناً من الناحية البيولوجية. استخدم العلماء المقابلات المنظمة والتحقق من الائتمان البنكي، لتقييم الاستعداد المالي. في المقابلات التي أجراها الفريق البحثي مع المبحوثين، أظهرت مجموعة ضبط النفس الأعلى أيضاً أنها قد تكون مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع التحديات الصحية والمالية والاجتماعية في وقت لاحق من الحياة. كما أبدى هؤلاء المشاركون آراء أكثر إيجابية حول الشيخوخة، وشعروا بمزيد من الرضا عن الحياة في مرحلة منتصف العمر.
تقول الباحثة المشاركة في الدراسة ليا ريتشموند راكيرد، أستاذة علم النفس المساعد في جامعة ميشيغن الأميركية، إن السكان يتقدمون في السن ويعيشون لفترة أطول مع الأمراض المرتبطة بالعمر. وترى رادكيرد أنه من المهم تحديد طرق لمساعدة الأفراد على الاستعداد بنجاح لتحديات الحياة اللاحقة والعيش سنوات خالية من المعوقات أكثر، من خلال تشجيع الأطفال على ضبط النفس في الحياة المبكرة، وهو ما قد يساعد في تهيئة الناس لشيخوخة صحية. يميل الأطفال الذين يتمتعون بقدر أكبر من ضبط أفضل للنفس إلى أن يكونوا ينتمون إلى أسر تتمتع بأمان مالي أكبر من أقرانهم، كما أن معدلات ذكائهم تكون أعلى، طبقاً للدراسة. قام بعض الباحثين المشاركين في الدراسة بتغيير مستويات ضبط النفس عند البالغين وحققوا نتائج صحية أفضل مما كانت تتوقعه تقييمات الطفولة، لذلك يرى معدو الدراسة أنه يمكن تعليم ضبط النفس.
ويقترح الباحثون أن الاستثمار المجتمعي في مثل هذا التدريب يمكن أن يحسن مدى الحياة ونوعية الحياة، ليس فقط في مرحلة الطفولة، ولكن ربما أيضاً في مرحلة منتصف العمر، خاصة مع وجود أدلة كثيرة على أن تغيير السلوكيات في منتصف العمر، مثل الإقلاع عن التدخين أو ممارسة الرياضة، يؤدي إلى تحقيق نتائج صحية وسلوكية أفضل.
ضبط النفس عند الطفل يساعده لاحقاً للتمتُّع بشيخوخة صحية
أجريت الدراسة على أشخاص ولدوا في نيوزيلندا بين عامي 1972 و1973، وتم إخضاعهم إلى مجموعة من التقييمات النفسية والصحية على فترات منتظمة منذ ذلك الحين، كان آخرها حين بلغ هؤلاء سن الـ45 سنة. ولمعرفة مستويات ضبط النفس عند هؤلاء الأفراد، استعان الباحثون بالمعلمين وأولياء الأمور والأفراد أنفسهم، لقياس مستويات العدوانية والاندفاع، وأشكال أخرى من الإفراط في النشاط والمثابرة وعدم الانتباه. وخلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بأعلى درجات ضبط النفس يمشون بشكل أسرع ولديهم وجوه أصغر سنا في عمر 45.