انفجار الصواريخ... أشلاء من الحديد ومليارات الدولارات في الهباء

27 ابريل 2023
انفجر أخيراً صاروخ لشركة "سبيس إكس" بعد أربع دقائق من إطلاقه (جوناثان نيوتن / Getty)
+ الخط -

تسمّر العالم عام 1986 أمام شاشات التلفاز، حين انطلقت مركبة تشالنجر نحو الفضاء، لدراسة المذنب هالي، لكن وبينما العالم يشاهد انطلاق المركبة انفجرت أمام أعين الجميع بعد 73 ثانية من الانطلاق، ومات رواد الفضاء السبعة الذين كانوا على متن المركبة، وتناثر الحديد في المحيط الأطلسي. 
مشاهد انفجار الصاروخ في السماء، الذي كان يحمل مركبة ورواد فضاء، لها أثر يمسنا جميعاً. عادة مركبة الفضاء تمثل حلماً بشرياً، اكتشاف المجهول وتفعيل المخيّلة، وانفجارها يعني جزءاً من تحطيم أحلام الطفولة. الصاروخ كان حلم الهرب نحو عالم جديد، حتى السينما نفسها في بداياتها، كما في فيلم "رحلة إلى القمر"، تبنّت الصاروخ كعلامة للوصول إلى عالم جديد، بعيداً عن أنها صواريخ أميركية وصناعة ناسا
في السنوات الماضية، وخصوصاً مع انتشار الشركات الخاصة التي تحاول استكشاف/ استعمار/ استثمار الفضاء، لم يعد مشهد انفجار الصاروخ مُريباً ومحطماً للأحلام، بل يمكن القول إن هناك نوعاً من السخرية الدفينة فيه، إلى حد وجود فيديوهات متتالية لانفجار الصواريخ. أصبح انفجار الصواريخ نوعاً من أنواع "الشماتة" بأصحاب المليارات، خصوصاً إيلون ماسك، الذي انفجر صاروخ تابع لشركته "سبايس إكس" (Space X) أخيراً، بعد أربع دقائق على انطلاقه، الأمر الذي وصفه ماسك بـ"إيجابي" كونه يتيح اكتشاف عيوب في التصميم. 
لا يهمنا ما يقوله ماسك، ما يهمنا هو تحول السماء إلى استعراض لهدر الملايين. "أشلاء" من الحديد تتناثر في المحيطات والصحراء، بينما تراقب العدسات بدقة: هل سينفجر أم لا؟ ما هو شكل الانفجار؟ والأهم هل سيكون هذا الانفجار الأخير؟ نسأل هنا لأن كل انفجار يحمل في داخله أملاً بأننا سنصل إلى صيغة لن ينفجر بعدها صاروخ، ما يعني انفتاح الفضاء أمام الجميع، وهذا بالضبط ما يكسب تسجيلات انفجار الصواريخ شهرتها وتحولها إلى تريند. هي أمل ساخر باقتحام السماء، وتفادي أي خطر أو حادث. 
لكن، ماذا عن الأموال المهدورة؟ بالطبع نقول مهدورة لأنها لا توجّه إلا للسماء ولاحتمالات الانفجار. في كل مرة نقرأ فيها ثمن صاروخ أو كلفته، نفكر في إمكانية استخدام ذات المبلغ في شأن إنساني، أو مساعدة من نوع ما تستهدف سكان الأرض الحاليين، وليس غزاة الفضاء المستقبليين. لكننا، في النهاية، أمام شركة خاصة، ذات أهداف قد لا نراها نحن الذين نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي ونمر مرور الكرام على فيديو انفجار الصاروخ.
اللافت أن جماليات انفجار الصاروخ في السماء جديدة على عالمنا، يمكن القول إنها بدأت في الستينيات منذ بداية الرحلات نحو الفضاء؛ نحن أمام انفجار آمن، لا أغراض حربية من ورائه. اشتعال كتلة من نار في السماء القريبة كان حكراً على الظواهر الطبيعيّة وبعض الأفلام السينمائيّة. لكن الآن، الصواريخ تنطلق وتحترق بصورة دوريّة. شركة ماسك لوحدها أطلقت العام الماضي نحو 60 صاروخاً نحو الفضاء. بصورة ما، الانفجارات التي نشاهدها ليست علامات على فشل، بل نجاح المهمات، لكن يبقى لكتل النار المشتعلة في السماء جمالياتها.

كسر الشركات الخاصة احتكار الدول لبرامج الفضاء خلق حكايات جديدة. عادة كان حلم رائد الفضاء يعني جهداً وتعباً ودراسة وتمريناً نتائجها غير مضمونة. أما حالياً، فيمكن للكثيرين "استئجار" مقعد لزيارة الفضاء في أي رحلة قادمة. وهنا، نشير إلى أن انفجار الصاروخ لم يعد علامة على مقدار التقدم العلميّ، بل علامة على الغنى والقدرة على الاستثمار، وهذا بالضبط ما يثير الاهتمام، رواد الفضاء الهواة وأصحاب الشركات الخاصة لا يمثلون قدوة أو أيقونة يمكن الاحتفاء بها، لأنهم ببساطة لم يراهنوا على المهارة والتعب، بل المال لاكتساح السماء. وهنا يظهر الصاروخ المنفجر كدلالة على التقصير، وأحياناً عجز المال عن شراء المهارة، ربما الصاروخ المنفجر علامة على الحلم الرأسماليّ، ذاك الذي يمكن أن يحترق فجأة وهو في الطريق نحو المجهول/ السماء.

المساهمون