الورد الجوري: زهور تتفتّح في شمال سورية

23 مايو 2024
زراعة الورد الجوري في قرية المراح، 11 مايو 2016 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد الثورة السورية، نقل الدمشقيون المرحلون قسراً تقليد زراعة الورد الجوري إلى شمال سوريا، محولينها من زينة إلى صناعة زراعية تنتشر في ريف إدلب وصولاً للحدود التركية، مما أحيا تقاليد زراعية وصناعية قديمة.
- إدلب، بطبيعتها المتنوعة وتقنيات الري المتقدمة، أثبتت كونها بيئة مثالية لزراعة الورد الجوري، حيث أدى الطقس والتربة المناسبين إلى نجاح التجربة وتوسع الإنتاج، معززة الأمل في تطوير صناعات مرتبطة بهذه الزراعة.
- مستقبل زراعة الورد الجوري في إدلب يبدو واعداً مع توقعات بتوسع صناعة العطور والزيوت العطرية، حيث تعد المشاريع الصغيرة المبتدئة بتقطير الزيوت خطوة نحو توطين صناعة تسهم في الاقتصاد المحلي وتحافظ على التراث الزراعي.

لم يعرف الشمال السوري مزارع الورد الجوري (الورد الدمشقي أو الورد الشامي)، واستثماره بالعطر، إلا بعد ثورة السوريين عام 2011. فالدمشقيون المرحلون قسراً إلى شمالي سورية حملوا الورد الجوري في ذاكرتهم، ليكون هذا الورد الهدية العطرة للمجتمع الجديد الذي استقبل الدمشقيين، وطوّر إنتاج هذه الورود، من زينة لحدائق البيوت، إلى صناعة زراعية وحرفة تتسع بأرض لم تعرف منها إلا شجيرات قليلة وبألوان محدودة، حتى غطى الأحمر والوردي والأبيض اليوم حقول قرى ومزارع ريف إدلب الغربي، ووصل إلى الحدود التركية.

ويعبّر النازح الدمشقي إلى مدينة سرمين في ريف إدلب، عماد مالي، عن فرحته بتوطين زراعة الورد الجوري في ريف محافظتي إدلب وحلب، قائلاً: "باتت المنطقة كما لو أنك في الغوطة أو بالقلمون". ويضيف دالي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بعض متخصصي زراعة الورد الجوري نزحوا إلى محافظة إدلب عبر "الباصات الخضراء"، فجربوا بدايةً زراعة الورد الجوري، حيث "لم نكن واثقين من نجاحها في البيئة الجديدة"، لكن الطقس والتربة، خاصة في ريف إدلب الغربي، مناسبين جداً.

يشير المزارع إلى أن تصنيع الورود واستخلاص الزيوت العطرية يحتاج إلى متخصصين، ويقول: "عادةً، هذه المهن محتكرة لدى بعض العائلات الدمشقية"، ولم تدخل إدلب إلا ضمن حدود ضيقة، ولكن تُستثمر الورود اليوم لتصنيع المربيات وتجفيف الورود لبيعها زهورات. ويتوقّع أنه مع اتساع رقعة الأراضي المزروعة بالورد الشامي، ستنتقل صناعة العطور وتحظى "الصنعة" باهتمام رسمي، وإنشاء جمعيات أصدقاء الوردة الشامية.

في هذا السياق، نتساءل: هل تتناسب طبيعة محافظة إدلب مع توطين هذه الزراعة لتنافس دمشق وجبال القلمون؟

ترى المهندسة الزراعية بتول الأحمد أن تنوع طبيعة إدلب، بين الجبل والسهل، وتوفّر تقنيات الري بالتنقيط، يجعلها "مناسبة جداً" لزراعة الورد الجوري، بدليل نجاح التجربة واتساع الحقول خلال الأعوام الستة الأخيرة، منبهة إلى أن الورد الجوري ليس غريباً عن المنطقة، ولكن كان للزينة أو لصناعة الزهورات والمربيات ضمن نطاق ضيق.

وتوضّح المهندسة، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن زراعة الورد تبدأ أول فصل الشتاء، وفترة الإثمار ليست طويلة، إذ تبدأ عملية القطاف في فصل الربيع، وتستمر حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وعن تكاليف هذه الزراعة وإمكانية المزارعين المالية، تقول الأحمد إن كل دونم يحتاج شتلات ورد بمبلغ 50 دولاراً تقريباً، وتضاف إليها تكاليف أسمدة وري وأجور أيد عاملة تجني المحصول يدوياً، لتصل تكاليف الدونم لنحو 160 دولاراً، لكن ثمن الورود يصل لأكثر من ثلاثة أضعاف التكلفة.

وتلفت المهندسة الأحمد إلى أن زراعة الوردة الشامية سهلة، فالشتلة تزهر من أول موسم، وتعطي إنتاجاً بين 10 و15 كغم من الورد المجفف لكل دونم، ويزداد الإنتاج بالسنة الثانية ليصبح بين 50 و75 كغم من الورد المجفف في الأراضي الخصبة والرطبة، مؤكدة أن "التهافت على شراء الورد كبير بمحافظة إدلب"، سواء للزهورات أو لتصنيع المربيات.

ما زال هذا العمل في بداية طريقه، بحسب محمد فؤاد، الذي يستثمر مساحات في منطقة كللي بريف المدينة، بزراعة الورد الشامي، إذ طالما لم تدخل إدلب في طور صناعة العطور وزيوت الورد الشامي، يبقى الأمر في مرحلة الهواة والحصول على فرص عمل، ويقول: "بدأ بعض المشاريع الصغيرة بتجارب التقطير واستخلاص الزيوت، وليس مستبعداً أن تتوطن الزراعة وتصنيع الوردة الشامية في إدلب، بعد انتشار مشاتل لزراعة وبيع الغراس".

وعن الفارق بين التصنيع وبيع الورود مجففة، يقول فؤاد إن الربح يأتي من استخلاص زيت الورد الجوري الذي يستخدم في صناعة العطور والمواد التجميلية، ويزيد سعر لتر العطر عن 15 ألف دولار، لكنه يحتاج خبرة وآلات، ونحو 14 طناً من الورود، في حين أن ماء الورد سهل الاستخلاص، إذ يُنتج كيلوغرام الورد نحو 800 غرام من ماء الورد.

يبدو أن انتشار زراعة الوردة الشامية في إدلب ومدن أخرى في وسط سورية أزاح مخاوف انقراضها بسبب قلة الاهتمام والحرب التي دمرت موطن زراعتها، غوطة دمشق. وقد تنبهت حكومة النظام لهذا الأمر في العام الماضي، من خلال وزارة الزراعة وبالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية التابعة لأسماء الأخرس زوجة رئيس النظام، إذ بدأت باستثمار حقول الوردة الشامية في منطقتي المراح والقسطل في ريف دمشق.

المساهمون