الوثائقي "اختَرِق صحّتك": كاميرا الأمعاء المتشابكة

27 مايو 2024
أنجِلي ناير: رحلة بصرية في أمعاء بشرية (رودان أكنْروث/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "Hack Your Health: The Secrets Of Your Gut" يعرض على نتفليكس في 2024، يروي قصة طالبة طب وتحدياتها الصحية المتعلقة بالجهاز الهضمي وتأثير النظام الغذائي على تنوع البكتيريا في الأمعاء، مع التركيز على التفاوتات في الوصول إلى الغذاء.
- يستخدم الفيلم تقنيات بصرية مبتكرة لاستكشاف الأمعاء بألوان زاهية وتصميمات غرافيكية ثلاثية الأبعاد، مبرزًا الفروق بين أمعاء سكان المدن والقرويين في نيبال وأهمية التنوع الغذائي.
- يتطرق إلى الجوانب الفنية والتقنية في تصوير الحرب الدائرة داخل الجهاز الهضمي وتأثير التكنولوجيا الحديثة على الطب والتعليم، مع التأمل في الفجوة بين الأغنياء والفقراء فيما يتعلق بالغذاء.

 

طالبة طبّ متبرجزة، تحكي سيرة أمعائها، في Hack Your Health: The Secrets Of Your Gut، لأنجِلي ناير (وثائقي، 2024، نتفليكس). تعاني ألماً بسبب صعوبة اختيار الطعام: شوكولاته أم كرنب؟

في هذا العالم غير العادل، يموت بشرٌ جوعاً، وآخرون يشتكون من أضرار وفرة الطعام المُضرّ بجهازهم الهضمي. هناك من يأكل ليستمتع، وهناك من يأكل ليبقى حيّاً. النوع الثاني لا مكان له في الفيلم، المُركِّز على أمعاء المتخمين.

يقدّم الجانبُ البصري الأمعاءَ البشرية من الداخل بألوان زاهية، وبلا رائحة. تستمتع العين بالمَشَاهد المعطاة من نظرة واحدة. للتوضيح: تجرى مقارنة بصرية باطنية بين أمعاء فردٍ يقطن في مدينة أميركية كبيرة، وبطن قروي في مملكة نيبال. البكتيريا أكثر تنوّعاً في أمعاء النيبالي، لأنّه يتناول مواد مُصنّعة أقلّ.

رسالة الفيلم: نَوّع طعامك كي تنوّع البكتيريا التي تستوطن أمعاءك. يُصوّر المجتمع البكتيري الساكن في أمعائنا. تجعل الكاميرا الرقمية الطبَّ الباطني برّانياً مرئياً. انتقل الطبيب من سماع صوت الأمعاء إلى رؤيتها. الكاميرا وسيطٌ يرفع المستمع إلى مرتبة الشاهد. صارت الكاميرا عين الطبيب في البطن.

فنّياً، جسّم الفيلم الحرب: تشنّ الخلايا المناعية حرباً مستمرة لإبادة أعداء الجهاز الهضمي. عرض الـ"غرافيزم" علب الأدوية كطائرات تُسقط عقاقير في أمعاء البشر. للخروج من الواقع الفظيع، تُزرع بكتيريا توأمين في أمعاء فأرين. يُجسَّم الصراع بين البكتيريا والخلايا المناعية ليلائم عين الكاميرا. هكذا، يتابع المشاهدون حكاية خيالية ـ حقيقية، تجري أمام الكاميرا، التي، بصفتها وسيطاً جماهيرياً، اقتحمت مجالاً في الطبّ النخبوي. يستخدم الفيلم تصميماً غرافيكياً، بمُجسّم ثلاثي الأبعاد، للشرح. تحوّلت الأمعاء إلى أنفاق ملوّنة وخطوط. صار الرسم على الحاسوب بالصُور للتوضيح. هكذا، جرى إيصال المعلومة إلى العين. يمكن لعمل الكاميرا الرقمية تغيير تعليم الطب. يمكن للهاتف تهديد مهنة الطبيب. حالياً، يأكل الفرد، ويقيس السكّر في دمّه بهاتفه. صار الهاتف مُختبراً طبّياً.

هذا الوثائقي تعِلّة للتأمل في أنّ الجوع لا يجد ناطقين باسمه. يملي الإنترنت على الأغنياء ما سيأكلون، بينما يأكل الفقراء ما يتوفّر. يأكل الفقراء خبزاً دقيقاً ومُحلّى بالسكر الصناعي. هذا كارثيّ للصحة. الفيلم عن أفراد في مجتمع الوفرة، لديهم ما يكفي من الطعام، ومشكلتهم في الاختيار. شوكولاته ومثلّجات وبيتزا. في النهاية، يصير البطن مشكلة. وقع تغيّر في السوبرماركت. انتقلت الأهمية من جناح الشاشات والهواتف إلى جهة الأطعمة "بيو".

 

 

كلّما قلّ تنوّع الطعام، كثرت أمراض الجهاز الهضمي. يُحكى عن ملكٍ داهية، كان يسجن خصومه ويقدّم لهم الطعام نفسه، إلى أنْ يموتوا. يموتون في أقلّ من شهر، بسبب الافتقار إلى البكتيريا الجيدة والمتنوّعة. كيف عرف الملك ذلك؟ بالتجربة والنتيجة. يحتاج الدماغ إلى التنوّع الغذائي نفسه الذي تحتاج إليه الأمعاء كي لا يفتقر إلى الخيال.

هذا فيلم بالذكاء الصناعي عن أقدم موضوع خبزيّ مُجسّم. كيف يقود البطن حياة الفرد؟ تتجوّل البكتيريا في الأمعاء، كما تتجوّل السيارات في الشوارع. الميكروبات الطبيعية أكثر تنوّعاً. حين يتحوّل هذا إلى غرافيزم، تُصبح خريطة الميكروبات أعقد من لوحة تشكيلية انطباعية.

يبدأ الفيلم بمقارنة ساخرة: يراقب البشر القمر والكسوف طويلاً. يندر أنْ يراقبوا أمعاءهم التي تضخّ الطاقة في ركبهم التي تحملهم. ما الذي يجري في البطن؟ تأخّر التفكير في جواب. اهتمّ الشاب زرادشت بالناس والشيطان، ولم يأكل، حتى ذكّره الجوع بحقيقته. لم يفكر الفيلسوف والشاعر اللذان يأكلان في صحن الأمير في الجوع. كانا يتغنّيان بالإرادة والحلم. الـ"كوجيتو" الخُبزيّ: "أنا آكل يومياً أنا حيّ"، سابقٌ زمنياً على الـ"كوجيتو" الفلسفي: "أنا أفكر إذاً أنا موجود".

لا تستطيع الكاميرا تصوير ما يسمّيه النسل الفلسفي "الملذّات العقلية السقراطية"، لكنّها تستطيع تصوير الملذّات الحسّية كالغواية والتفاحة المعضوضة. حالياً صُور الوجبات في اللوحات الإعلانية في الفضاء العام أضخم من حجمها في صحون المطاعم. رفض الفلاسفة المصابون بهوس التجريد سماع أصوات الحواس، ومجّدوا الروح والكينونة، ثم ذكّرتهم معدة زرادشت بحقيقتهم.

ما الذي صنع الجانب الفني للفيلم؟ الكاميرا. إنّها وسيط تصويري يسرد بالحواس للحواس. تصوير الأكل ساحر. يأكل جميع البشر يومياً. مشكوكٌ به أنّ قلّة التفكير تزعجهم، كما تُرعبهم قلّة الطعام. جُسِّم الجهاز الهضمي لتراقبه الكاميرا. يشعر المشاهد أنّه يتسكع في أمعاء البشر. أمعاء قذرة نقّاها الذكاء الصناعي وجَمّلها. المعدة مدخل التحكّم في الوزن والسكري. جميع العزّاب مصابون بآلام المعدة. عددهم يتزايد عالمياً، لذا يشتدّ الزحام في عيادات أطباء الجهاز الهضمي. سيشتدّ في الدول الإسلامية بعد كلّ عيد أضحى.

يمكن للمعدة تفسير الكثير. لكنْ، لن يغامر أيّ مهرجان سينمائي ببرمجة هذا الفيلم الوثائقي. لو غابت حفلات العشاء في أيّ مهرجان، فسيتعرّض للمقاطعة والتشهير. في كلّ المهرجانات، لا يحضر كثيرون عروض الأفلام، لكنّهم لا يقاطعون الوجبات.

إذا نظرنا إلى البشر من طول أمعائهم، فجميعهم متساوون. لكنْ، لا مساواة في الحجم والصحة. كلّ ما يؤكل يؤثّر على حجم الأمعاء وفعاليتها كونها آلة. تبدأ الفوارق الطبقية من الصحون. لا يمكن لجائع أن يكون وسيماً.

المساهمون