المتحف البريطاني... سرقة مقتنيات منهوبة

16 سبتمبر 2023
سمعة المتحف تضررت بسبب سوء تعامله مع السرقات (ليون نيل/Getty)
+ الخط -

يبدو أن تداعيات السرقة التي تعرض لها المتحف البريطاني لن تقف عند حدود استقالة مديره، فبين ما كشفت عنه هذه الفضيحة، أن مقتنيات المتحف ليست في أمان كما كان يُعتقد. المتحف الذي طالما تفاخر مسؤولوه بتوفر أعلى مستويات الأمان فيه، تتسرب مقتنياته لتعرض للبيع على الإنترنت. لا يتوقف الأمر عند هذا فقط، إذ تبين أن كثيراً من القطع التي تسربت من المتحف على مدار سنوات لم تكن مسجلة في أرشيفه، ما يفسر الصمت وعدم الوضوح الذي يخيم على البيانات الصادرة بشأن هذه الفضيحة.

ما أُعلن حتى الآن أن هناك أكثر من ألفي قطعة سُرقت، ولكن من دون توضيح مُفصّل لطبيعة هذه القطع، غير أن عدم تسجيل هذه المقتنيات قد يجعل هذا الرقم مُرشحاً للزيادة.

أمام هذا الخلل الذي يعاني منه أحد أكبر متاحف العالم وأكثرها شهرة، ألا يحق للبلدان التي تم السطو على تراثها المطالبة باستعادته؟ هذا بالفعل ما أقدم عليه أخيراً عدد من الدول، ومن بينها الصين ونيجيريا واليونان وإثيوبيا والهند، مع توقع المزيد من المطالبات الدولية باسترداد القطع الأثرية. فبماذا سيحتج مسؤولو المتحف أمام هذه المطالبات؟ إذ لم يعد بمقدورهم بعد الآن الادعاء بأن تراث الشعوب المنهوب لديهم في أمان.

البيان المنشور في صحيفة غلوبال تايمز الصينية الرسمية والناطقة بالإنكليزية يؤكد أن الوقت قد حان لاستعادة القطع الصينية المنهوبة فوراً. يوضح البيان أن فضيحة السرقة تكشف عن انهيار ادعاء قديم ومنتشر على نطاق واسع بأن القطع التاريخية المنهوبة من الدول الأخرى تحظى بحماية أفضل في المتحف البريطاني. على مدار عقود آمن كثيرون في هذه الدول بهذا الادعاء، ما أدى إلى إضعاف الدافع والتصميم على استعادة هذه القطع الأثرية من المتحف البريطاني. يذكر بيان الحكومة الصينية أن المتحف يضم 23 ألف قطعة من الآثار المنهوبة من الصين، ومن الصعب تتبع كيفية وصولها إلى المتحف، "ولكن من المؤكد أن معظمها قد نهب أو سرق بشكل مباشر أو غير مباشر. وحتى لو مسحت المملكة المتحدة بصمات اللصوص على هذه القطع الأثرية، فإنها لا تستطيع محو الملكية الحقيقية لهذه الممتلكات الثقافية".

يستند المتحف في رفضه إعادة الآثار المنهوبة إلى قانون المتاحف البريطانية المعدل في عام 1963، والذي يمنع منعاً باتاً إعادة أي من مجموعاته. ويرى بعضهم أنه من غير المقبول استخدام مثل هذا القانون كذريعة لرفض الانصياع للأخلاق الدولية.

هذا القانون الذي يشير إليه أيضاً بيان الحكومة الصينية، انتقدته قبل أيام وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني، مُعربة عن أملها في استعادة آثار بلادها التي بحوزة المتحف. وفي الهند، تعالت الأصوات مجدداً بضرورة استرداد المنحوتات المنهوبة من "أمارافاتي ستوبا"، وهو واحد من أهم المعابد البوذية المعروفة.

كما طالبت الحكومة التركية باستعادة القطع الأثرية التركية العثمانية. ولم تقتصر الأصوات المطالبة باستعادة الآثار المنهوبة على آسيا وأوروبا فقط، فقد شجعت فضيحة السرقة دولاً أفريقية لتجديد مطالباتها القديمة باستعادة تراثها المنهوب خلال الحقبة الاستعمارية. في نيجيريا أعرب مؤخراً مدير المؤسسة الوطنية للمتاحف والآثار، أبا عيسى تيجاني، عن نية الحكومة النيجيرية مطالبة المتحف باستعادة ما نُهب من آثار بلاده. ودعت إثيوبيا إلى استعادة مجموعة مقدالة من الأسلحة والمجوهرات والتحف الدينية، التي استولى عليها البريطانيون خلال عملية عسكرية عام 1868. كما طالبت دولة غانا بإعادة المجوهرات الذهبية التي نهبها الجيش البريطاني من قصر أشانتي عام 1874.

في ظل هذه المطالبات الدولية باستعادة الآثار المنهوبة، خيم الصمت تقريباً على المنطقة العربية. يمتلك المتحف البريطاني أكثر من مائة ألف قطعة مصرية، ومع هذا فقد اكتفى المسؤولون المصريون بالمتابعة، ولم تصدر منهم أي مطالبات باستعادة هذه القطع. أشار البيان الصادر أخيراً عن وزارة السياحة والآثار المصرية إلى أن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، قد عقد اجتماعاً "لمتابعة واقعة سرقة بعض القطع الأثرية من المتحف البريطاني وما تم في هذا الشأن".

بينما لم تصدر عن وزارة الآثار العراقية أي مطالبات أو بيانات، وكذلك الحال في سورية ولبنان أو أي من دول المنطقة العربية.

تأسس المتحف البريطاني في لندن عام 1753، ويشتهر بأنه أحد أكثر المتاحف شمولاً وتنوعاً في العالم. تمتد مجموعته لأكثر من مليوني سنة من التاريخ، وتتضمن كنوزاً من كل ركن من أركان المعمورة. ظلت مقتنيات المتحف الواسعة موضوع خلاف بسبب طرق الحصول عليها، فجانب كبير من معروضاته تم الاستيلاء عليه في حقبة الاستعمار، كما أن هناك الآلاف من القطع الأخرى التي وصلت إليه بطرق ملتوية وغير أخلاقية. ومع احتدام السجال حول أحقية الدول باستعادة آثارها المنهوبة في أعقاب فضيحة السرقة الأخيرة، يراقب العالم متلهفاً إلى رؤية كيف سيتمكن المتحف البريطاني من اجتياز هذه الأزمة المعقدة.

المساهمون