الكويكبان ديديموس... الأرض تدافع عن نفسها

الكويكبان ديديموس... الأرض تدافع عن نفسها

13 فبراير 2021
تستهدف المهمة كويكبين يعرفان معاً باسم "ديديموس" (Getty)
+ الخط -

زائرٌ غامض، ربما على متن صحن طائر، جاء إلى سيبيريا من الفضاء، كان السبب في الدمار الشامل الذي حلّ على منطقة قرب نهر تونغوسكا، صباح يوم 30 يونيو/ حزيران من عام 1908. تكررت هذه الحكاية في عدد من الفرضيات الشعبية التي حاولت تفسير "انفجار تونغوسكا". انفجارٌ امتدّ أثره على مساحة تزيد عن 2000 كيلومتر مربع، وسوّى ملايين الأشجار المحترقة بالأرض. وصلت أول بعثة علمية روسية لدراسة موقع الانفجار بعد نحو عقدين من وقوعه، ولم تجد أثراً لفوهة صدمية تدل على سقوط كويكب، فظهرت فرضيات غريبة وخرافات حول الحادثة.

حتى اليوم، لا يوجد تفسير علمي واحد مقبول بالإجماع عند العلماء، وذلك لأسباب عدة، منها مرور كثير من الوقت على وقوع الحادثة. يعزو بعض النظريات عدم وجود فوهة صدمية في "تونغوسكا" إلى انفجار الكويكب قبل أن يصطدم بالأرض. هذا ما حدث فعلاً عام 2013، في سماء مدينة تشيليابنسك الروسية، بحسب الصور ومقاطع الفيديو التي وثقت انفجار نيزكٍ في السماء، يبلغ قطره نحو 20 متراً، أسفر عن وقوع أكثر من 1400 إصابة، من دون أن يسقط على الأرض. 
لكن ما الذي حدث بالفعل عام 1908؟ هل كانت حادثة "تونغوسكا" قد وقعت بفعل كويكب انفجر في السماء؟ أم أنه مرّ في غلاف الأرض وعاد إلى الفضاء؟ هناك العديد من الدراسات التي تدعم فرضيات علمية مختلفة، لكنها تبقى إجابات حول أسئلة في الماضي. يهتم العلماء بالتركيز على ما يمكن أن يحدث في المستقبل. 
"تونغوسكا" هي أكبر كارثة معروفة في التاريخ المسجل سببها دخول جسم قريب من الأرض إلى غلافها الجوي. وهي تعطي قياساً واقعياً لحجم الدمار الذي يمكن أن يتسبب به كويكب يبلغ قطره من 60 إلى 190 متراً. الكويكب المسؤول عن حادثة تونغوسكا أصغر بكثير من النيزك الذي تسبب بانقراض الديناصورات قبل نحو 65 مليون سنة. لكن الانفجار الذي سببه في سيبيريا كان أكبر بـ 1000 مرّة من انفجار القنبلة النووية في هيروشيما. يقدر قطر قاتل الديناصورات بـ10 إلى 15 كيلومتراً. وكما هو معروف فإن احتمالات اصطدامه بالأرض في المستقبل ضئيلة جداً، قد يحدث مرة كل 100 مليون سنة، لكن احتمال سقوط جسم بقطر 100 متر يقدّر بمرة كل ألف عام، لهذا السبب، كثيراً ما يتم الاستشهاد بحادثة "تونغوسكا" عند دراسة المخاطر المستقبلية، وأهمية بناء دفاع فعال ضد كويكبات بحجم الكويكب المسبب للحادثة.

لكن ما الذي حدث بالفعل عام 1908؟ هل كانت حادثة "تونغوسكا" قد وقعت بفعل كويكب انفجر في السماء؟ أم أنه مرّ في غلاف الأرض وعاد إلى الفضاء؟

في الفضاء، يوجد كثير من الكويكبات والنيازك والأجرام التي تسير في كل اتجاه وتصطدم بالكواكب في المجموعة الشمسية. تظهر على سطح المريخ، مثلاً، العديد من الحفر التي تحدثها مثل هذه التصادمات. حفر أو فوهات صدمية شبيهة بها أيضاً، تبدو واضحة على سطح القمر. الأرض كذلك عرضة لمثل هذه التصادمات، لكن الآثار الظاهرة لاصطدام الكويكبات التي تنجح في الوصول لسطح الأرض، قبل أن تحترق، أقل بكثير من تلك الظاهرة على أسطح الكواكب الصخرية في المجموعة الشمسية. يعود الفضل في ذلك إلى العمليات الجيولوجية النشطة في الأرض، والتي تُخفي معظم هذه الآثار، مثل نشاط الصفائح التكتونية والبراكين، وغيرها.
تعمل مجموعة من العلماء حول العالم للتحضير لخطر وقوع حوادث شبيهة بحادثتي تشيليابنسك و"تونغوسكا" في المستقبل. وهذا العام، من المخطط أن تبدأ أول تجربة لآلية الدفاع عن كوكبنا ضد الأجرام القريبة منه. تقود المهمة وكالة ناسا الأميركية، وتسمى بمهمة DART اختصاراً لـ Double Asteroid Redirection Test، أو اختبار إعادة توجيه مزدوج لتغيير مسار كويكب.

ستكون هذه أول مهمة تجريبية لتغيير مسار كويكب باستخدام تقنية التصادم الحركي، بحيث يتم إطلاق مسبار نحو كويكب ليصطدم فيه فينشأ عن هذا الاصطدام تغير في حركة الكويكب لينحرف مساره، بما يضمن إبعاده عن مسار الأرض. تقود ناسا هذه المهمة من خلال مختبر الفيزياء التطبيقية (APL) في جامعة جونز هوبكنز. تستهدف المهمة كويكبين يعرفان معاً باسم "ديديموس" (Didymos) ويعني الاسم باليونانية: التوأم. اختيرت هذه التسمية لديديموس لأنه يتكون من زوج من الكويكبات، الكويكب الرئيسي هو "ديديموس أ"، وهو الأكبر حجماً؛ إذ يبلغ قطره نحو 780 متراً، والثاني "ديديموس ب"، أو يسمى أيضاً قمر ديدموس ويبلغ قطره 116 متراً، وهو يدور حول "ديديموس أ"، كل 12 ساعة. لا يشكل ديديموس أي خطر على الأرض، واستهدافه هو فقط لغرض تجربة التصادم الحركي، وفحص مدى نجاعته في صد خطر حقيقي قد يهدّد الأرض، إن كانت هناك حاجة لذلك في المستقبل.
"ديديموس ب" مناسب للتجربة لعدة أسباب، من أهمها أنه بحجم الكويكبات التي يريد العلماء بناء دفاع قوي ضدها. سيكون "ديديموس ب" هو الهدف المباشر في هذه المهمة، بحيث من المتوقع أن يحدث تغيير طفيف في حركته نتيجة اصطدام المسبار به، ولأنه يدور حول "ديديموس أ" سيؤدي التغيير في دورة مساره إلى تغيير في موقع الكويكب المركزي. بالتالي يتوقع أن يسبب التصادم بالكويكب الصغير تغيراً في مسار كلا الكويكبين "ديديموس أ" و"ديديموس ب"، من هنا أيضاً جاء اسم مهمة DART لإعادة التوجيه المزدوج. من المخطط إطلاق المهمة في يوليو/ تموز من هذا العام، ليصل المسبار إلى موقع التصادم المدبر في سبتمبر/ أيلول 2022. اختيار هذا التوقيت بالتحديد ليس عشوائياً، بل مرتبط بحسابات موقع ديديموس بالنسبة للأرض، بحيث يكون الكويكب في هذه التوقيت تحديداً عند أقرب نقطة ممكنة إلى الأرض، ما يتيح مراقبته بوضوح من خلال التلسكوبات التي ستقيس نجاعة التجربة والتغيير في حركة الكويكبين بعد الاصطدام.

المساهمون