البروباغندا الروسية تتخطى حواجز اللغة الإنكليزية

البروباغندا الروسية تتخطى حواجز اللغة الإنكليزية

11 اغسطس 2022
رجل إنقاذ في مركز تجاري أصيب بصاروخ روسي وسط أوكرانيا في يونيو (جينيا سافيوف/فرانس برس)
+ الخط -

بعد يوم من استهداف مركز تجاري وسط أوكرانيا بصاروخ روسي، مما أسفر عن مقتل 18 شخصاً على الأقل، في يونيو/حزيران الماضي، لجأت الذراع الناطقة بالإسبانية لشبكة قنوات آر تي الروسية إلى موقع فيسبوك، لدحض الحقائق حول هذا الاعتداء. على حسابها المتاح في معظم أنحاء أميركا الوسطى والجنوبية وحتى في الولايات المتحدة نشرت "آر تي" بياناً مصوراً من متحدث عسكري، يزعم أن القوات الجوية الروسية قصفت مخبئاً لأسلحة قدمها حلفاء أوكرانيا الغربية. لكن مقطع فيديو نشرته الحكومة الأوكرانية، والناجون من الاعتداء الذين قابلتهم منصات إعلامية عدة، أظهروا عكس ذلك.

عندما بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، تحرك موقعا فيسبوك وتويتر، وغيرهما من عمالقة التواصل الاجتماعي، لمنع أو تقييد الحسابات التابعة لآلة الكرملين الدعائية في الغرب. إلا أن الجهود كانت محدودة، بسبب عوائق الجغرافيا واللغة، مما أدى إلى فرض خليط من القيود بدلاً من الحظر الشامل، وفق ما لاحظت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها الثلاثاء.

أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الدعاية والمعلومات المضللة الروسية لا تتوقف باللغة الإسبانية في أميركا اللاتينية أو بالعربية في الشرق الأوسط، في محاولة لتبرير الغزو الروسي لأوكرانيا، وشيطنة الأخيرة، والتعتيم على المذابح الروسية التي استهدفت آلاف المدنيين. وكانت النتيجة تبايناً جغرافياً وثقافياً في حرب المعلومات حول أوكرانيا، ما ساعد في تقويض الجهود التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا لممارسة ضغط دولي واسع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيقاف حربه.

وفي هذا السياق، قال نائب مدير مركز ستيرن للأعمال وحقوق الإنسان في جامعة نيويورك الذي كتب أخيراً دراسة حول انتشار الدعاية الروسية الخبيثة على موقع يوتيوب، بول إم. باريت، إنه "ليس هناك خنق عالمي محكم لقدرة روسيا سيئة السمعة على القتال، ليس فقط في ساحة المعركة الحقيقية، بل أيضاً في حرب المعلومات وتشويهها".

وقد بدأت الانتقادات تتصاعد لفشل "فيسبوك" و"تويتر" وحتى تطبيق تيك توك الصيني في فرض ضوابط أشد على المنشورات الروسية باللغات غير الإنكليزية، مع استمرار الحرب. قبل أسبوعين، انضمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى المنتقدين، واتهمت المنصات بالسماح لروسيا بـ"تضخيم أكاذيبها وتصديرها إلى الخارج" باللغة الإسبانية. وقال الأعضاء إنه بينما كانت هذه المعلومات المضللة تستهدف أميركا الوسطى والجنوبية، فإنها وصلت أيضاً إلى الناطقين بالإسبانية في الولايات المتحدة.

وحث المشرعون الشركات على بذل المزيد من الجهد لمنع المنافذ الروسية في إسبانيا، بما في ذلك RT en Español وSputnik Mundo اللتان تنشران اتهامات بأن الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، تصنع أسلحة بيولوجية في أوكرانيا.

يقول خبراء المعلومات المضللة إن المراقبة تكشف عيوباً في العمليات الدولية للمنصات التي غالباً ما تحصل على موارد أقل من تلك الموجودة في الولايات المتحدة. في تقريرها، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه من الصعب قياس تأثير الدعاية الروسية في زمن الحرب على الرأي العام في الخارج بدقة. إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن بوتين لا يزال زعيماً عالمياً مكروهاً، مما يدل على أن جهود الكرملين لم تترجم بعد إلى تحسن كبير في الدعم العالمي للغزو.

في الوقت نفسه، تتدفق المعلومات المضللة الروسية بحرية في أجزاء من العالم حيث يُنظر إلى الحرب في أوكرانيا بعبارات أقل وضوحاً مثل الخير مقابل الشر، كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا.

وكتب العضوان في مجلس الشيوخ روبرت مينينديز من نيوجيرسي وتيم كين من فرجينيا، كلاهما ديموقراطي، وبيل كاسيدي، وهو جمهوري من لويزيانا، رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، جاء فيها: "في هذه الظروف الاستثنائية، يجب أن نظل يقظين بشأن قدرة مزودي المعلومات المضللة الروسية المعروفين على نشر أكاذيب حول غزو بوتين لأوكرانيا، سواء بالإسبانية أو بأي لغة أخرى".

في بيان لـ"نيويورك تايمز"، أكدّت "فيسبوك" أنها قيدت الوصول إلى حسابات "آر تي" و"سبوتنيك" في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأوكرانيا، بعد تلقي طلبات من مسؤولين حكوميين. رفضت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي طلباً قدمته "آر تي فرنسا" لإلغاء حظر على عمل الشبكة في الكتلة. أشارت "فيسبوك" أيضاً إلى أنها حظرت الإعلانات من وسائل الإعلام الحكومية الروسية، و"خفضت ترتيب" المشاركات من الحسابات المرتبطة بها. ولفتت الشركة إلى أن الحسابات باللغات الأخرى تخضع للقواعد نفسها التي تهدف إلى وقف المعلومات المضللة أو المحتوى الضار. وجاء في بيان الشركة: "لدينا فرق متعددة تعمل في أنحاء العالم كافة للحد من انتشار المعلومات المضللة بعشرات اللغات".

بعد أيام من بدء الحرب، أغلق موقع تويتر أيضاً الحسابات الروسية في الاتحاد الأوروبي، وأضاف تسميات للحسابات التي أعادت تغريد الروابط منها. في إبريل/ نيسان، أعلنت الشركة أنها لن تضخم مثل هذه الحسابات، مما تسبب في انخفاض مستوى التفاعلات معها، وفق ما أوضحت في بيان.

"تيك توك" أكدت أخيراً أنها أزالت أو صنفت عشرات الآلاف من المنشورات كجزء من "الإجراءات المستمرة التي نتخذها للحماية من المشاركة الوهمية". في مايو/ أيار، أضافت إشارات إلى حسابات الحكومة الأوكرانية أيضاً.

لكن "نيويورك تايمز" لاحظت أن التحركات ضد الكرملين لم تمنعه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الغربية لاختراق الجماهير الأجنبية. شبكة الدعاية التابعة للكرملين التي سعت منذ سنوات إلى استقطاب جماهير بلغات عدة، تحركت بنشاط متزايد منذ احتشدت القوات الروسية حول أوكرانيا في الشتاء الماضي، وفي الأسابيع التي أعقبت الغزو في 24 فبراير.

تضم صفحة "آر تي" الإسبانية 18 مليون متابع على "فيسبوك"، أي أكثر مما تجذبه صفحتها بالإنكليزية وأكثر مما تستقطبه صفحات شبكة سي أن أن الأميركية باللغة الإسبانية. وقد شهدت المنشورات الروسية ارتفاعاً كبيراً في المشاركة في الأسابيع التي أعقبت بدء الحرب، وفقاً لتحليل أجرته مؤسسة آفاز غير الحكومية.

وجدت "آفاز" أيضاً أن صفحة آر تي أونلاين باللغة العربية شهدت ارتفاعاً نسبته 187 في المائة في التفاعلات خلال الشهر الأول من الحرب. كما شهدت حسابات "سبوتنيك" في البرازيل واليابان طفرات، وإن كانت أصغر. أظهر تحليل مماثل أجرته شركة زيغنال لابز التي تتعقب نشاط وسائل التواصل الاجتماعي ارتفاعاً في عدد مشاركات روابط منشورات "آر تي" و"سبوتنيك" بالإسبانية. في هذه الصفحات، تصور الحرب الروسي على أنها إجراء عادل ضد النظام الفاشي في أوكرانيا الذي سعى للحصول على أسلحة نووية وتواطأ مع الولايات المتحدة لتطوير أسلحة بيولوجية على أعتاب روسيا. وتصور الفظائع الموثقة جيداً في مدن مثل بوتشا على أنها مبالغات أو حتى خدع نظمت لشيطنة روسيا.

حتى بعد القيود التي فرضت على روسيا، فإنها سعت إلى حلول بديلة، إذ أنشأت الذراع الإسبانية لـ"آر تي" حسابات جديدة على "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" و"يوتيوب" تحت اسم Ahi Les Va. وتستمر هذه الحسابات في نشر معلومات مضللة روسية لمجموعات متزايدة من المتابعين الجدد.

المساهمون