إضراب هوليوود... الممثلون يريدون حصتهم من الأرباح

إضراب هوليوود... الممثلون يريدون حصتهم من الأرباح

15 يوليو 2023
سيؤدي الإضراب إلى مصاعب مالية لآلاف من المُعتمدين على هذه الصناعة (كريس دلماس/فرانس برس)
+ الخط -

بدأ ممثلو هوليوود إضرابًا واسعًا منتصف ليل الخميس، أعلنت عنه نقابة الممثلين خلال مؤتمر صحافي، بعد موافقة مجلس إدارتها بالإجماع. يعد هذا الإضراب ثاني الضربات الموجهة لصناعة السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة الأميركية، أولاها كان في مايو/ أيار، حين أعلن كتاب الشاشتين الصغيرة والكبيرة تنفيذ إضراب شرس لا تزال عواقبه ومطالبه مستمرة حتى اليوم، إذ أدى الإضراب الذي قام به ما يقارب من 11500 كاتب وكاتبة إلى توقيف برامج حوارية وتعطيل معظم مواسم الإنتاج التلفزيوني والعديد من الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة.

سيعلق الإضراب العديد من الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية التي تُصور حاليًا في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، وتتضمن مواهب تمثيلية من النقابة (SAG-AFTRA)، منها فيلم "غلادياتور" Gladiator الذي يصور في المغرب من إنتاج "باراماونت بكتشرز"، ولن يتمكن كبار نجوم هوليوود من حضور حفلات الترويج لإصداراتهم الجديدة، ومن المتوقع أن تُعاد جدولة بعض الأحداث الفنية، بما في ذلك حفل توزيع جوائز إيمي.

بدأ الإضراب منتصف الليل، لذا غادر مات ديمون وإميلي بلانت، وغيرهما من الممثلين، العرض الأول لفيلم "أوبنهايمر" Oppenheimer لكريستوفر نولان. وعبّر ديمون عن تضامنه مع المطالب، مشيرًا إلى أن التأمين الصحي في الولايات المتحدة يتطلب أن يجني الممثل أكثر من ستة وعشرين ألف دولار سنويًا، وأن الأرباح الكثيرة التي تجنيها الاستديوهات يجب أن تستخدم للاهتمام بمن هم على الهامش.

يتصدر اليوم مشهد الاحتجاج الاتحاد الأميركي نقابة ممثلي الشاشة لفناني الراديو والتلفزيون (SAG-AFTRA)، وهو أكبر اتحاد في هوليوود بأكثر من 160 ألف فنان وفنانة، إذ يضم كثيرًا من ممثلي التلفزيون والصحافيين وشخصيات الراديو وفناني التسجيل والمغنين والممثلين الصوتيين ومؤثري الإنترنت وعارضي الأزياء، وغيرهم من الفنانين. وهم لا يطالبون بزيادة الأجور فحسب، بل تتضمن لوائحهم مطالب أكثر تفصيلًا، مثل حصولهم على مبالغ مالية عند تكرار بث الأفلام والبرامج التي مثلوا فيها، وضمان أن عملهم لن يُستبدل في المستقبل القريب أو البعيد بالذكاء الاصطناعي، خاصة أن صعود عصر البث هدد مواقع ومهن العديد منهم، وتحديدًا الأسماء غير المعروفة في الاتحاد.

في المقابل، يتفاوض تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون (AMPTP) نيابة عن "نتفليكس" و"والت ديزني" وشركات أخرى. وعبّر عن شعوره بخيبة الأمل الشديدة لأن نقابة الممثلين قررت الابتعاد عن المفاوضات، خاصة أن الاتحاد يعمل لتوفير ظروف أفضل لفنانيه منذ سنوات عدة، فحقق أعلى نسبة زيادات في الحد الأدنى للأجور منذ 35 عامًا، كما قدم تحسينات هائلة على مستوى الرعاية الصحية، فضلًا عن ترقية رواتب التقاعد، حتى إنه وافق على "اقتراح رائد"، كما سمّاه، من شأنه حماية الشكل الرقمي للممثلين، عبر طلب موافقتهم عند استخدام النسخ الرقمية عنهم في الأداء أو إجراء التعديلات.

تأسَف التحالف لأن الاتحاد الأميركي اختار طريقًا سيؤدي إلى مصاعب مالية لآلاف لا تحصى من الأشخاص الذين يعتمدون على الصناعة. توقعات نقابات الفنانين والكتاب "غير واقعية"، حسب وصف المدير التنفيذي لشركة ديزني، والذي أشار إلى سوء توقيت الاحتجاجات، خاصة أن القطاع الترفيهي ما زال يتعافى من آثار جائحة كوفيد-19 حتى الآن.

لم تثنِ تلك التعليقات من عزيمة رئيسة نقابة الممثلين فران دريشر التي ترى أن الاستديوهات تتجاهل تلك المطالب المحقة منذ مدة طويلة، حتى إنها وصفت رد المنتجين بالـ"المهين والمذلّ". قالت دريشر إنها مذهولة تمامًا من الطريقة التي يعامل بها المحتجون من قبل تلك الاستديوهات، مدركة الآن إلى أي حد هم متباعدون في كثير من الأشياء. "ما يحدث لنا يحدث في جميع مجالات العمل"، شرحت دريشر، "وذلك عندما يضع أرباب العمل ووول ستريت الجشع على رأس أولوياتهم، وينسون المساهمين الأساسيين الذين يجعلون الآلة تعمل".

هذا الإضراب هو ثاني الإضرابات المزدوجة في الولايات المتحدة الأميركية، والأكبر في القطاع الترفيهي والفني منذ أكثر من ستين عامًا. اشتعل آخر إضراب للممثلين عام 1980، أما أول الإضرابات المزدوجة فقد كان عام 1960. ومن المثير للاهتمام معرفة أن الإضراب الأول للممثلين جاء على خلفية مشابهة لنسخته الثانية، إذ كان أعضاء نقابة ممثلي الشاشة والاتحاد الأميركي لفناني الإذاعة والتلفزيون حينها خائفين مما سيحل بهم مع ظهور التلفزيون المدفوع والفيديو المنزلي. انتزع الممثلون شيئًا من حقوقهم عبر ذاك الاحتجاج، وظل بعضهم يكافح لكسب المزيد، لكنهم اليوم متحفزون أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الذكاء الاصطناعي يهدد فرص عملهم النادرة أصلًا، ويضع خصوصيتهم موضع قلق أيضًا، إذ يخشى الممثلون أن تُستغل صورهم وأداءاتهم الفنية من دون إذن منهم، وأن يتسبب سلوك الشركات الإنتاجية بخسائر فادحة لهم، كما حصل مع شركات الدعاية عبر التلفاز.

ليس الاضراب الجديد إلا تأكيدًا على عودة الشعبية الواسعة لمفهوم النقابات في المجتمعات المعاصرة، وجزءًا من حركة نقابية نشطة في الولايات المتحدة تحديدًا، بعدما سادت التخوفات لمدة طويلة حول انعكاس فكرة النقابة سلبًا على الحياة الفردية لأعضائها الذين سيلزمون بقرارات نقابتهم ونتائج مفاوضاتها، فضلًا عن شبهات الفساد التي يمكن أن تطال أي مؤسسة حكومية. تنسجم ظاهرة العودة إلى النقابات مع تزايد الاهتمام العالمي بحقوق العمال وتفاقم التحديات التي تواجههم في العديد من الصناعات والقطاعات، خاصة بعد في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، بما في ذلك انعدام الأمان الوظيفي وظروف العمل غير الملائمة والأجور المنخفضة.

وفي حين تبدو فكرة الاضراب جذابة لكثيرين، إلا أن البعض في الولايات المتحدة يظل حذرًا منها على الرغم من تضامنه مع المضربين وإيمانه بأحقية قضاياهم، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى خوفهم من أن تفوق الخسارات المكاسب. فبعيدًا عن تعطيل الحياة اليومية والخدمات الأساسية، يقلق معارضو فكرة الاضراب من تراجع الاستثمارات خلال الاحتجاجات وتقلص فرص العمل وتوسيع الشرخ بين العاملين وأرباب العمل، مما يؤدي إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي على المستوى الوطني، فمن المعروف أن القطاع الفني خسر في إضراب الممثلين الأخير ما يقدر بنحو 40 مليون دولار في الأسبوع الواحد وذلك بسبب تأجيل وإلغاء العديد من الأعمال الفنية المقرر عرضها وإنتاجها. لا يستبعد أن يتسبب الاضراب الجديد بنتائج مشابهة أو ربما أكثر سوءًا من سابقه، خاصة أن الاضراب مصحوب بآخر يقوده اتحاد الكتاب، مما يعني توقف عمليات الإنتاج الأساسية للبرامج التلفزيونية والأفلام باستثناء عمليات التحرير والمونتاج.

قد لا يلتمس المضربون آثار احتجاجهم في المستقبل القريب، إلا أن منجزات الاضراب السابق تظل براهنًا على جدوى الاحتجاج، وتجسيدًا للمثل الأميركي الشهير: "لا يمكنك صنع أومليت، من دون كسر بعض البيض".

دلالات

المساهمون