أنمي Inu-Oh... توحيد الحكايات كما يشاء الإمبراطور

08 فبراير 2023
العمل من إخراج ماساكي يواسا (GKIDS)
+ الخط -

من المعروف عن مخرج الأنمي الياباني، ماساكي يواسا، خروجه عن الأنماط الشائعة للأنمي، ولا سيّما في عمله الأشهر The Tatami Galaxy، لكنه هذه المرة وصل إلى مستوى آخر مع فيلمه Inu-Oh الذي جمع فيه ببراعة بين الثقافة التقليدية اليابانية والحداثة.

تدور الأحداث في القرن الرابع عشر في اليابان، عقب حرب أهلية انتصرت فيها عشيرة جنجي على عشيرة هيكي. ولتوحيد الإمبراطورية، كان على الإمبراطور توحيد الرموز والحكايات لحيازة الشرعية، مستغلاً بذلك البسطاء في التنقيب عن أي آثار ممكنة. أحد هذه الآثار هو السيف الملعون الذي يفقد بسببه تومونا بصره. في فترة زمنية مقاربة، تُنجب امرأة طفلاً مشوهاً أقرب إلى مسخ بيد عملاقة، ولشدة تشوّهه يعامل معاملة الحيوانات.

تلتقي طريق إينو الطفل المسخ بتومونا الذي تعلّم عزف البيو وانضم إلى فرقة تنشد حكايات عشيرة هيكي المهزومة، لكن هذه الحكايات مكررة ولم يعد أحد يجد أي حكاية جديدة. يدرك إينو أن أرواح الهيكي تهمس له بقصصها، فيؤسس فرقة من تومونا الأعمى الذي لم يخف من تشوهه لتقديم هذه الحكايات.

التحرر بالروي

الحكاية الخاصة بإينو تبدأ من لحظة اكتشافه لأرواح الهيكي التي تهمس له بحكاياتها، وارتباط هذه الحكايات بتشوهه. وما إن يروي كل واحدة منها يختفي تشوه مرتبط بالحكاية من جسده. هذه الحبكة تشبه حكاية مانغا دورورو القديمة لعراب المانغا والأنمي أوسامو تيزوكا التي قال يواسا إنه تأثر بها، إذ يدفع الأبناء نتيجة صفقة والدهم مع كائن شيطاني بطريقة فاوستية، لكن الإعاقة يمكن التخلص منها عبر رحلة يقوم بها البطل.
رحلة إينو مسرحية بامتياز، ولديه حكايات هيكي لم يروها أحد من قبل، ورفيق يقدم الموسيقى مع العرض. هذه الرحلة المسرحية ثورية كذلك بالدرجة الأولى ضد والد إينو الذي عقد الصفقة وتسبب في تشوهه ثم نبذه ولم يسمح له بالانضمام لفرقة العائلة. وفي الوقت نفسه ضد النظام الحاكم الذي يعتمد فرقة عائلة إينو كفرقة رسمية، وأكثر من ذلك يعتمد روايات رسمية لحكايات جنود عشيرة هيكي المهزومة، فالحكايات الرسمية المروية من قبل النظام الحاكم -مثلها مثل الرموز المادية- تحافظ على شرعيته ولا تؤدي إلى أي تساؤلات. الهدف الأساسي هو تخلص إينو من تشوهه، وكل ما عدا ذلك جاء مصادفة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

أقدم من الحاضر وأبعد منه

ما يميز Inu-Oh ليس الحكاية والأجواء التراثية، بل على العكس تماماً، كسر هذا التراث ليصل إلى الحاضر. تدور الأحداث في فترة ما، في القرن الرابع عشر ميلادي، ويبدو كل شيء في بداية الفيلم وكأنه ينتمي إلى ذلك العصر بالفعل، عدا العروض المسرحية التي تقدمها الفرقة.
على عكس المتوقع، لن نرى مسرح نوه كلاسيكياً برقصات بطيئة وروي على أنغام آلة البيو، إنما دمج بديع بين النو وأشكال حديثة من الأداء، سواء على صعيد العرض أو الغناء. ففي العرض الأول، حكاية الأيادي، تكون السينوغرافيا المسرحية مشابهة للمسرح الغربي الحديث، أما الغناء فهو روك خالص، وإن كنا نرى تومونا يعزف على البيو.
بشكل ديناميكي صنعت أزياء تشبه ما يرتديه مغني روك، لكنها من الأقمشة التي تنتمي إلى القرون الوسطى اليابانية. تتوالى العروض مرة بعد مرة، مع غناء يروي حكاية متعلقة بشخص من الهيكي وتشوه في جسد إينو بأشكال مسرحية مختلفة، يتحرر فيها العمل من الزمان؛ فنرى مثلاً أجهزة إضاءة مسرحية حديثة، لكن يمكن إشعال النار منها لتكون دلالة على الفوانيس السحرية المستخدمة في المسرح قديماً.
يؤدي تومونا أغاني روك معروفة، مثل أغنية فرقة "كوين" الشهيرة We Will Rock You. العروض بحد ذاتها كانت أهم ما قدمه الفيلم، وأيضاً لم تكن مجرد زينة بصرية وسمعية. يريد يواسا القول إن الحكايات تتجاوز الزمان والمكان، وهذا يعيدنا للثواني الأولى في الفيلم، إذ تظهر فيها سيارات حديثة، لينقطع المشهد فجأة ويعيدنا إلى القرون القديمة. المخرج يواسا قال في مقابلة معه إن الروك يشبه الطبقات الدنيا وعامة الناس، كما أنه أراد بهذا التقديم إخبار العالم بأن هناك احتمالات عديدة لرواية التاريخ.

الفن ضد السلطة

يعترض كهنة البيو الذين اعتادوا رواية قصص الهيكي على أسلوب تومونا وإينو الحديث، إذ لا يناسب كاهن بيو، بل ويعد ما يفعلانه إساءة. كهنة البيو أنفسهم يروون قصصهم تحت إشراف السلطة الحاكمة من دون أن يدركوا ذلك، لتكون أي حركة حديثة تسيء لهم مسيئة للسلطة أيضاً. لكن إينو صار محبوب الجماهير الذين ينتظرون رؤية وجهه المخفي خلف قناع أخيراً مع آخر حكاية يقدمها. وبدلاً من قمعه، استضافه الحاكم ليقدم العرض في قصره لمعرفته بأن منع هذا العرض وحرمان الجمهور من رؤية وجه نجمهم سيكون سيئاً له. في النهاية يتم منع الفرقة من رواية هذه القصص بالذات، لأنها ليست ضمن الروايات الرسمية للسلطة، أي ليست رواية المنتصرين، ووجودها يعني تشكيك بشرعية السلطة. يخلق هذا حركة ثورية لم يتعمدها إينو أو تومونا، لكن الأخير يتبناها في النهاية ويحكم عليه بالإعدام لأجل ذلك. الأمر لا ينتهي هنا، لأن مجرد روي الحكاية لمرة يعني خلودها لو تم تناقلها سراً، وستظهر ولو بعد قرون مع رواة مختلفين. وهذا ما أراد الفيلم تقديمه بتشكيك ذكي بالتراث الرسمي، وميل للجوانب الأكثر شعبية التي نراها بشكل متفرق، لدرجة تبدو فيها الحبكة متخبطة وغير مفهومة أحياناً.
المساهمون