"لا لرومان بولانسكي"...حملة ضد رئاسة الاحتفال بـ"سيزار 42" الفرنسية

26 يناير 2017
رومان بولانسكي حاملاً تمثال "سيزار" عام 2014(مارتن بورّو/فرانس برس)
+ الخط -


بعد ساعات قليلة على الإعلان الرسمي، الذي أذاعته "أكاديمية فنون السينما وتقنياتها" في باريس، في 18 يناير/ كانون الثاني 2017، بخصوص اختيار السينمائي الفرنسي البولندي رومان بولانسكي (1933) رئيساً للحفلة الـ42 لتوزيع جوائز "سيزار" السينمائية الفرنسية، انطلقت حملة ضد مخرج "طفل روزماري" (1968)، و"الموت والجميلة" (1994)، و"عازف البيانو" (2002)، منطلقةً من الاتهام القديم باغتصابه فتاة قاصر، عام 1977، في الولايات المتحدة الأميركية.

وعند الإعلان عن اختياره، أشاد رئيس الأكاديمية، آلان ترزيان، بعبقريته، قائلاً ما يلي: "فنان، سينمائي، منتج، سيناريست، ممثل، مخرج: توجد كلمات عديدة، يُمكنها أن تصف رومان بولانسكي. لكن، هناك كلمة واحدة تعكس تعبيرنا عن إعجابنا وتقديرنا له: شكراً، السيّد الرئيس".

الاتّهامُ قديم. لكن جمعيات نسوية فرنسية تستند إليه في حملةٍ ممتدة من شبكة "الإنترنت" ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى العمل الميداني، إذْ دعت جمعيات إلى المشاركة في تظاهرة تُقام في 24 فبراير/ شباط 2017، أمام صالة "بلييال"، في العاصمة الفرنسية، حيث ستُقام الحفلة، التي سيُقدّمها الهزليّ والممثل الفرنسي جيروم كومّوندور (يُذكر أن الترشيحات الرسمية للجوائز ستُعلن في 25 يناير/ كانون الثاني الجاري).

بالإضافة إلى هذا، تمّ تداول عريضة تُطالب بإقالة السينمائيّ من هذا المنصب، جمعت 51 ألف توقيع، إلى جانب هاشتاغ "قاطعوا السيزار". أما التُّهمة، التي لم يُحاكم عليها في الولايات المتحدة الأميركية لغاية الآن، فتتمثّل بـ"اعتداء جنسي" على سامنتا غايلي (أصبح اسم شهرتها غايمر، لاحقاً)، التي كانت تبلغ 13 عاماً حينها.

لكن المعتدى عليها أسقطت الدعوى، وتوصّلت إلى اتفاق مالي مع المتّهم بالاعتداء، و"سامحته"، منذ سنين عديدة، بينما لم تتوقّف السلطات القضائية الأميركية عن ملاحقته، هو الممنوع من السفر إلى أميركا، وإلى دول كثيرة غيرها. علماً أن بولانسكي، وكان في الـ43 من عمره حينها، أمضى 42 يوماً في السجن، قبل إطلاق سراحه بكفالة، و"إقراره" باغتصاب قاصر، من دون أن يتوقّف لحظةً واحدة، في ما بعد، عن إنكار الاتّهامات الموجّهة إليه بخصوص الاغتصاب. وتمكّن من الهرب من الولايات المتحدّة الأميركية، قبل إعلان الحكم، "خشية أن يكون الحكم قاسياً عليه"، كما نُقل عنه ذات يوم.


لم يكن رومان بولانسكي ينتظر حملةً كهذه، حالياً. فهو منشغلٌ بتصوير فيلم جديد له مع زوجته الممثلة إيمانويل سينييه، والممثلة إيفا غرين، بعنوان "استناداً إلى قصّة حقيقية"، عن رواية للكاتبة الفرنسية دلفين دو فيغان. مع هذا، عليه أن يتحمّل ضغط حملة جديدة ضده، تُقام على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "تويتر". ناشطون عديدون، منهم مهتمّون بقضايا المرأة، انجرفوا بحماسة كبيرة ضد تسميته لهذا "المنصب الرمزيّ".


في مقابل إعلان جمعياتٍ، تدعو إلى التظاهر أثناء توزيع الجوائز، بأن "تعيين بولانسكي ازدراءٌ للضحايا العديدين للاغتصاب والاعتداءات الجنسية"، واجه الممثل الفرنسي جيل لولوش (1972) الحملة ضد بولانسكي، مُعلناً دعمه له، وتضامنه معه: "في فرنسا، يُثار جدلٌ حول كل شيء. الناس "يعشقون" هذا كثيراً. علينا أن نكون منتبهين إلى أمور أساسية: بولانسكي يُقيم في فرنسا منذ 40 عاماً. الوقائع التي يُحاسَب عليها حدثت قبل هذا الوقت. طوال هذه الأعوام، يصنع سينما. في ذاك الوقت، كان "يجب" منعه من العيش في بلدنا، ومن العمل فيه (أيضاً). لكننا استقبلناه، ومنحناه جوائز، وأشدنا به، لأنه مخرج عظيم، ولأنه جزءٌ من تاريخ السينما".

أضاف لولوش أنه ليس في وارد تبرير الوقائع: "لكن، لماذا اليوم أكثر من الأمس، يجب أن نثير حوله فضيحة؟ ما الذي يحدث عندنا؟ هل نتحوّل إلى أميركيين؟"، مشيراً إلى رفضه هذا كلّه: "هذا يكفي. هناك أناس كثيرون في فرنسا يُمكننا لومهم (مقاضاتهم) على أمور كثيرة، لا يزالون حاضرين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لم نزجّ بهم في السجون، ولم نُثر فضائح حولهم"، ومذكّراً الجميع بأن الضحية نفسها أول من "انتهى من الموضوع" برمّته: "إثارة فضيحة اليوم، لأنه رئيس سيزار، أمرٌ لا معنى له إطلاقاً".


للتذكير، فإن أمراً شبيهاً بهذا حصل في مهرجان "كان" العام الفائت، مع السينمائي الأميركي وودي آلن (1935). ففي حفلة الافتتاح (11 مايو/ أيار 2016)، أراد مُقدِّمها الهزليّ والممثل الفرنسي لوران لافيت (1973)، أن يمازح مخرج "كافي سوسايتي"، فقال متوجّهاً إليه: "في الأعوام الأخيرة، صَوّرت كثيراً في أوروبا، مع أنك لم تُحاكم بتهمة الاغتصاب في الولايات المتحدة الأميركية" (اتُّهم آلن باعتداء جنسي على ابنته، عام 1992). في اليوم التالي، ردّ آلن عليه: "ممثلون عديدون يُطلِقون دعاباتٍ عن أمور يريدون فعلها"، مشيراً إلى أنه هو نفسه فكاهي: "يلزمني الكثير كي أشعر بالإهانة".


بالعودة إلى مسألة بولانسكي، فإن وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة أوريلي فيليبيتّي دافعت عنه، هي أيضاً، بقولها: "أرى أن للأكاديمية الحرية المطلقة في ذلك (في تعيينه). إنه مخرج كبير جداً. في ما يتعلّق بالمسألة (الاتهام)، فقد مرّت 40 عاماً عليها، ولا يمكننا أن نثير القضية في كلّ مرة". غير أن الوزيرة الحالية لشؤون العائلات والطفولة وحقوق النساء، لورنس روسّينيول، ليست من هذا الرأي أبداً: "هذا خيارٌ يشهد على لامبالاة أولئك الذين قرّروا تسميته رئيساً لسيزار إزاء الوقائع المُساقة ضده"، واصفةً الاختيار بأنه "مثيرٌ للدهشة والصدمة معاً".



المساهمون