أسواق غزة تصارع الركود تحت سياط الحصار

03 ابريل 2014
أحد الأسواق في غزة يبدو خاليا من الزبائن (Getty)
+ الخط -

في بقعة صغيرة نسبياً لا تتعدى مساحتها 360 كيلومتراً، يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة تحت وطأة موجة ركود اقتصادي غير مسبوقة، أغلقت أبواب ما يقرب من 90% من المصانع والمزارع وشركات المقاولات والبناء هناك.

وتحولت غزة، إلى فم حوت كبير، يحاول التجار التقاط لقمة عيشهم من بين أسنانه، وبعد صراعٍ يُبقي تجارتهم ورؤوس أموالهم في مرمى الخطر، وتحت رحمة حظ شحيح وفرص نادرة، ينجح بعضهم في انتزاع القليل منها ويخفق كثيرون.

ولعل أهم أسباب تلك الموجة وأبرزها الاحتلال الإسرائيلي وحصاره للقطاع، ثم إغلاق معبر رفح من قبل الإدارة المصرية من جهة، وهدم أنفاق التهريب الحدودية الواصلة بين مصر وغزة من جهة أخرى.

وإلى جانب هذا، فإن ضعف الإمكانات والمنتجات المحلية في غزة وضعف القوى الشرائية لدى المواطنين بسبب محدودية الدخل، وعدم قدرة الحكومة على صرف رواتب الموظفين مع اشتداد الأزمة المالية التي تمر بها، يضع القطاع أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وإنسانية أخرى.

واستطلعت "العربي الجديد"، رؤية تجار في غزة للوقوف أكثر على طبيعة حالة الركود الاقتصادي والخطوات التي اتخذوها لمواجهة الأزمة.

وأرجع عدد من التجار ركود الحركة الشرائية في الأسواق، لأسباب تتعلق بإغلاق الأنفاق الذي خلّف أثراً سلبياً تمثل في توقف استيراد البضائع والمواد الخام ونقص المحروقات التي تعتمد عليها المصانع في قطاع غزة، بالإضافة إلى تأخر رواتب الموظفين.

تنزيلات التجار لم تغرِ الناس

قلما تجد متجراً للألبسة في قطاع غزة لم تلصق على واجهته لافتة تعلن إدارته بها عن تنزيلات في الأسعار لترغيب المواطنين في الدخول إليه.

ولجأ التاجر إحسان أبو شعبان، لإطلاق حملة تخفيضات وبيع بأسعار الجملة على منتجات المواد الغذائية التي يستوردها من الخارج وحتى تلك التي يصنعها.

وقال أبو شعبان، للعربي الجديد "نحن كتجار بتنا نكتفي بالبيع بالجملة مع الربح القليل"، مشيراً إلى أن الأسر الكثيرة العدد تشعر بالفرق حينما تشتري المنتجات المخفضة.

وأضاف "الأزمة تشتد ولا أحد في غزة يستطيع تحديد موعد لانتهائها".

وفي محاولة للتقليل من حجم خسائرهم، أعلن بعض التجار في وقت سابق عن تخفيضاتٍ مهولة على الألبسة إلى حد سعر الجملة أو ما دون ذلك.

ورصد مراسل "العربي الجديد" تخفيضات أسعار في بعض محلات بيع الملابس الشتوية للأطفال وصلت في بعض الأحيان إلى 80%، غير أن الاقبال ظل ضعيفاً في السوق الغزية وفق ما أدلى به التاجر أحمد غبون.

وقال غبون، إن التجار باتوا غير قادرين على دفع إيجار محالهم التجارية، نتيجة ضعف البيع وتراكم البضائع في المحال، موضحاً أن الأوضاع يمكن أن تزداد سوءاً قبل حلول موسم ينقذهم من الديون التي تراكمت عليهم واستحق دفعها للمستوردين.

وسادت مؤخراً حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي بعد منع الاحتلال إدخال مواد البناء قبل ستة أشهر، وزاد الأمر حدة هدم الأنفاق على الحدود الفلسطينية المصرية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 60%، ونسبة البطالة إلى 40%.

ورغم ضعف الحركة الشرائية في الأسواق، يغتنم بعض الغزيين فرصة الشراء من حملات تخفيض الأسعار التي أطلقها عدد من التجار.

وقالت السيدة أحلام الخزندار، وهي أم لخمسة أبناء، بينما كانت تتنقل بين المحال التجارية لتجهيز ابنتها العروس بالملابس، "إغلاق المعبر يخنق الغزيين، بالكاد أجد لابنتي شيئاً جميلاً وجديداً، فالبضاعة المعروضة لم تتغير".

وأضافت، بالرغم من أن العديد من التجار خفّض نسبة أرباحه من السلع؛ إلا أن هناك أولويات للأسرة لا غنى عن تغطيتها كالغذاء والمواصلات، الأمر الذي يضطرنا للاستغناء عن الكماليات كالألبسة الجديدة والأجهزة الكهربائية"

الركود يأخذ التجار إلى الإعلام

لجأت بعض المحال التجارية إلى الإعلانات عن تنزيلاتها عبر وسائل الإعلام، والتنافس في تخفيض الأسعار، للهروب من جحيم الركود، وتقليل حدة الخسائر.

وقال أحمد الدهشان، أحد تجار الأدوات المنزلية "العروض الكثيرة في الأسواق لا تغري الناس"، مشيراً إلى أنه يضطر لتحمّل الخسارة لتدبير مبالغ الشيكات المستحق دفعها.

وبينّ الدهشان، أن أغلب المواطنين وبالرغم من كثرة العروض وانخفاض الأسعار، باتوا يعتبرون الكثير من البضائع مجرد كماليات يمكن الاستغناء عنها.

حين يفضّل المواطن العمى على الدفع

أما الشاب "محمد العلمي" الذي يعمل في محل بصريات يعلق على الأوضاع متهكماً: "الناس صارت تفضل تمشي بعماها ولا تشتري نظّارة"، مشيرا إلى أن ضعف الحالة الشرائية لم يقتصر على الأدوات المنزلية والإلكترونيات والألبسة، بل وصل إلى محلات البصريات.

وأوضح أن البيع لم يعد يغطي تكاليف العمل، بسبب تفاقم أزمة السولار وتضاعف تكاليف تشغيل المولد في فترات انقطاع الكهرباء.

وأضاف "نقوم غالباً بتجهيز النظارات للزبائن، والانتظار ريثما يتمكنون من دفع المقابل الماديّ، مراعاة لظروفهم الاقتصادية، مع أننا في بعض الأوقات لا نستطيع تغطية إيجار المحل".

الحصار السوط الأشد قسوة

وقال الدكتور رامي عبده، الخبير الاقتصادي، إن اقتصاد قطاع غزة غير مكتمل الأركان وغير مستقر ويعتمد على الاحتلال وسياساته بالدرجة الأولى.

ويعزو عبده تعرض الاقتصاد الفلسطيني عامة واقتصاد قطاع غزة بشكل خاص للأزمات المتتابعة، إلى التأثر بحالة عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها البلاد كالحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثماني سنوات.

واستطرد عبده: "هناك أسباب أخرى تساهم في استمرار الركود الاقتصادي مثل ضعف الاستثمارات المحلية وتوجيه رأس المال الفلسطيني الذي تبلغ قيمته ستة مليارات دولار للاستثمار في الخارج، وربط اقتصادنا بالاقتصاد الإسرائيلي".

وأضاف أن مما يعوق الأزمة في فلسطين، اكتفاء بعض شركات القطاع الخاص بالربح وعدم مساهمتها في التخفيف من الأزمة، بالإضافة إلى عدم وجود خطط تنمية متوسطة أو بعيدة المدى للارتقاء والنهوض بالاقتصاد المحلي.

وأوضح عبده أن آثار ونتائج الحصار طالت مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية باستثناء عدد من الشركات المتخصصة في قطاع الاتصالات والمصارف التي تجني أرباحًا جيدة.

وشدد على أن الحركة المحدودة للمعابر أثرت سلبًا على حجم الصادرات، "فقد تم تصدير 135 شاحنة فقط محملة بالمزروعات الغزية للخارج خلال عام 2013، في حين أن هذا العدد كان يتم تصديره خلال يومين فقط قبل فرض الحصار على غزة".

وذكر الخبير الاقتصادي أن التجار يحاولون عبر التنزيلات والحملات الترويجية، تعويض خسائرهم أو الحد منها على الأقل، غير أنه استبعد أن تكون مثل هذه الخطوات مثمرة ومفيدة للتجار، مشيرا إلى أن كثرة العروض والتنزيلات تدل على ضخامة المشكلة وأهميتها وتأثيراتها على الأسواق والتجار.

وللخروج من أزمة الركود الاقتصادي اقترح عبده عدداً من الحلول أهمها، تكاتف الجهود بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص في غزة والضفة، وتوفير الدعم للمشاريع الصغيرة، مشيرًا إلى ضرورة الوصول لحل سياسي يضمن استمرار فتح معبر رفح.

دلالات
المساهمون