2023 يرث 2022... العالم يتجه إلى اقتصاد الأزمات

27 ديسمبر 2022
استمرار التضخم يدفع ثلث اقتصاد العالم إلى الانكماش في العام الجديد (Getty)
+ الخط -

ينتهي عام 2022 بإرث ثقيل من الأزمات الاقتصادية، تتوقع سيناريوهات عديدة تفاقمها في العام الجديد، لا سيما مع استمرار التضخم العالمي، وتعطل سلاسل إمدادات الغذاء والأسمدة والطاقة، وعودة شبح جائحة كورونا، لترتسم ملامح جديدة للكثير من الاقتصادات، في ظل القلق من تصاعد الاضطرابات الاجتماعية، ويعلو فيها ما يعرف باقتصاد "الثكنات" الذي بدأت ملامحه تطل بالفعل في العام الذي يدخل ذاكرة التاريخ في غضون أيام.

ويتوقع أن يواجه العالم ركوداً في عام 2023، إذ تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة، التي تهدف إلى معالجة التضخم إلى انكماش عدد من الاقتصادات، منها قاطرات للنمو العالمي، فالمعركة ضد الغلاء المتوحش في العديد من المجتمعات لم تحسم بعد، كما يتوقع أن تمتد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا لمدد أطول حاملة معها الكثير من المعاناة لمختلف الأطراف، والدفع نحو حدوث ردة لافتة على ليبرالية الأسواق، وعودة الحكومات للتحكم في الكثير من المرافق الحيوية والخدمات.

وبينما حذّر صندوق النقد الدولي في تقرير له في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سوف ينكمش في 2023، وأن هناك فرصة بنسبة 25% لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة أقل من 2% في العام الجديد وسط ركود عالمي، إلا أن العديد من المراكز البحثية والمؤسسات المالية تتوقع سيناريو أكثر تشاؤماً.

وذكر مركز الاستشارات البريطاني "سي إي بي آر" CEBR في تقرير له، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، أن الاقتصاد العالمي سيتجاوز 100 تريليون دولار لأول مرة بنهاية هذا العام، لكنه سيتوقف في 2023 مع استمرار معركة صانعي السياسات ضد ارتفاع الأسعار.

تكاليف رفع أسعار الفائدة

وتوقع التقرير أن "يلتزم محافظو البنوك المركزية بأسلحتهم في العام الجديد، على الرغم من التكاليف الاقتصادية"، مضيفاً أن "تكلفة خفض التضخم إلى مستويات مقبولة تعني نمواً أضعف متوقعاً لعدد من السنوات المقبلة".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2023 إلى 2.7% مقابل توقعات سابقة بلغت 2.9%، في حين قدر نمو العام الجاري بنسبة 3.2% مقابل 6% لعام 2021. وبينما نمت الولايات المتحدة -أكبر اقتصاد في العالم- بنسبة 5.7% العام الماضي، قدر صندوق النقد نموها في العام الجاري بنحو 1.7% وحوالي 1% فقط في 2023.

وبالنسبة للصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فقد سجلت نمواً نسبته 8.1% في 2021 و3.2% العام الجاري، ويُتوقع أن تسجل 4.4% في 2023. وعلى صعيد منطقة اليورو التي ترتسم فيها ملامح تغير كبيرة، توقع صندوق النقد أن تسجل نمواً بنسبة 0.5% فقط خلال العام المقبل، مقابل 3.1% في 2022 و5.2% في 2021.

وعلى صعيد ألمانيا أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي طالما يُنظر إليها على أنها قاطرة القارة الباردة، فمن المتوقع أن ينكمش اقتصادها بنسبة 3% في العام المقبل، مقابل نمو 1.5% العام الجاري، و2.6% العام الماضي. كما توقع صندوق النقد أن ينكمش اقتصاد روسيا بنسبة 2.3% في 2023، بعد انكماش أكبر تبلغ نسبته 3.4% العام الجاري، في حين كانت قد سجلت نمواً بنسبة 4.7% في 2021.

ويعد 2023 نقطة فاصلة بالنسبة لبدء حقبة جديدة من تحول ميزان القوى بسبب التغيرات التي ستشهدها اقتصادات كبرى على غرار أوروبا والولايات المتحدة، وفق تقرير "سي إي بي آر"، إذ بحلول عام 2037، سيكون الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد تضاعف، حيث تلحق الاقتصادات النامية بالاقتصادات الأكثر ثراءً، وستمثل منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ أكثر من ثلث الناتج العالمي، بحلول هذا العام، بينما تقل حصة أوروبا إلى أقل من الخمس.

الصين تلاحق أميركا

وتتسبب جائحة كورونا والتوترات التجارية مع الغرب وكذلك محاولة بكين السيطرة على تايوان، في تأخر تجاوز الصين الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2036 على أقرب تقدير، أي بعد ست سنوات من التوقعات السابقة التي أصدرها مركز الاستشارات البريطاني، والتي أشار فيها إلى إمكانية حدوث هذا التحول في 2028.

في الأثناء، تشهد أوروبا ردة في سياساتها الاقتصادية الليبرالية مع الاتجاه الحكومي المتنامي إلى تأميم شركات للطاقة، و"عسكرة" مرافق وخدمات حيوية بدأت بالفعل تطل بوجهها في العام الجاري، خشية اتساع الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن الغلاء، وهذه التحولات تشبه ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وامتدت توابعها حتى سبعينيات القرن الماضي.

وتواجه الحكومات تحدياً صعباً بالنسبة لدعم مواطنيها في وقت ترتفع فيه أسعار السلع بشكل كبير، وخاصة الضروريات مثل الغذاء والوقود، والتي تأثرت بشدة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وتداعيات العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو، والتي طاولت النفط والغاز.

وتوقع بنك الاستثمار الأميركي مورغان ستانلي في تقرير أخيرا، أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.2% في 2023 على خلفية أزمة الطاقة المستمرة وتشديد السياسة النقدية. ومن المتوقع أن يظل التضخم، الذي ارتفع إلى معدل سنوي غير مسبوق قدره 10.7% نهاية العام الحالي، أعلى بكثير من المستوى المستهدف في العام الجديد.

وقال ينس إيزنشميت، كبير الاقتصاديين في أوروبا في البنك الأميركي إن "مخاوف التضخم، قد ترفع معدلات الفائدة إلى 2.5% في الربع الأول من 2023، قبل أن تبدأ في الانخفاض في أوائل عام 2024".

وكان عام 2022 حافلاً بالتغيرات الضخمة التي مثلت تحولاً تاريخياً في الاقتصاد العالمي الذي عاش ما يقرب من نصف قرن في أحضان معدلات التضخم المتدنية وأسعار الفائدة المنخفضة، قبل أن يتحول إلى النقيض بشكل مفاجئ.

في بداية العام الجاري، كان المراقبون مقتنعين بأن التضخم المرتفع سيكون قصير الأجل، وأنه مجرد رد فعل مؤقت على إغلاقات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لكن مع اقتراب 2023 يبدو الأمر أشبه بشيء أطول.

تدخل حكومي واسع

وحسب تقرير لشبكة "إيه بي سي" الإخبارية الأميركية في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فإن المدرسة الكينزية (التي تدعو إلى التدخل الحكومي من خلال سياسات الإنفاق والضرائب وإعادة توزيع الدخل) تعود من جديد، لتسيطر على الفكر الاقتصادي والسياسة الاقتصادية في العديد من الدول.

وجاءت شرارة هذا التغيير وسط أزمة الطاقة التي تقود إلى تأجيج التضخم، وقد بدأت الحكومات، وخاصة في أوروبا، في الاضطلاع بدور رائد في الإدارة الاقتصادية إذ تدخلت في أسواق الطاقة، وضربت المنتجين بفرض ضرائب أعلى ووزعت العائدات على المستهلكين. ومن المرجح أن تؤدي الأزمة الآن إلى تحديد سقف للأسعار، وتدخل مباشر في ما كان من المفترض أن يكون "سوقاً حرة".

ويوم الخميس الماضي، أعلنت الحكومة الألمانية، تأميم شركة الطاقة "يونيبر"، بعد أن منحها الاتحاد الأوروبي مباركته، لإنقاذ مورد الغاز الرئيسي في أكبر اقتصاد في أوروبا. كما أعلنت فرنسا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تأميم شركة الكهرباء.

وشهد النصف الأول من 2022 واحدة من أكبر الصدمات التي شهدها العالم في أسواق الطاقة العالمية منذ عقود، مما أدى إلى تفاقم نقص الطاقة والمخاوف المتعلقة بأمنها، وفق تقرير للبنك الدولي صدر أخيراً، وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد الآن أشد معدلات التباطؤ في أعقاب تعافي ما بعد الركود منذ عام 1970، ومن الملاحظ تراجع ثقة المستهلكين العالميين بالفعل بسبب التراجع الأكثر حدة مما كان عليه في الفترة السابقة للركود الاقتصادي العالمي.

وبينما تعاني الدول الغنية من أزمة الطاقة والغلاء، فإن الصورة أكثر قتامة بكثير في الدول النامية والفقيرة التي تسبب التضخم العالمي، وارتفاع أسعار الفائدة، وتزايد سطوة الدولار في ارتفاع فواتير استيرادها، وتفاقم الديون، مع تعرض الكثير منها لاضطرابات، وربما موجات عجز عن الوفاء بالالتزامات المالية والإفلاس للبعض في 2023.

ووفق تقرير البنك الدولي، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" شكلت جائحة كورونا أكبر انتكاسة لجهود الحد من الفقر في العالم منذ عقود، وكان التعافي متفاوتاً إلى حد كبير. وبنهاية عام 2022، يمكن أن يعيش ما يصل إلى 685 مليون شخص في فقر مدقع، مما يجعل عام 2022 ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر في العقدين الماضيين (بعد عام 2020).

وارتفعت مستويات الديون العامة للبلدان النامية على مدى العقد الماضي، حيث إن نحو 60% من أشد بلدان العالم فقراً إما في حالة مديونية حرجة أو معرضة لمخاطر ذلك. ولا تستطيع البلدان الأشد فقراً في العالم، التي تعاني من زيادة أعباء الديون، القيام باستثمارات حساسة في مجالات الإصلاح الاقتصادي، أو الصحة، أو العمل المناخي، أو التعليم، في إطار أولويات التنمية الرئيسية الأخرى.

وخلال عام 2022 نفذ أكثر من 33 بنكاً مركزياً في العالم زيادات متسارعة على أسعار الفائدة، بهدف كبح جماح التضخم المستعر، بقيادة الفيدرالي الأميركي الذي نفذ 7 زيادات متتالية، وبنك إنجلترا 9 زيادات.

وبحسب دراسة صادرة عن شركة الأبحاث الاقتصادية والاستشارات الدولية "نيد دافيس ريسيرش"، فإن احتمال الركود الاقتصادي العالمي في 2023 يزيد إلى نسبة 98.1%، وذلك بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم، ورفع سعر الفائدة، والحرب في أوكرانيا.

كما نقلت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية عن بيير أوليفييه جورنشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي قوله، إن 2023 قد يكون "عاماً قاتماً"، وقد "يتجه الاقتصاد العالمي نحو مياه عاصفة".

المساهمون